lundi 18 mars 2013

كتاب :ثمار علم



 كتاب: ثمار علم

         

   مقالات علمية ولغوية        

          تأليف
    ماجد بن عبد الله الطريّف

                            المقدمة الحمد لله  رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد: فهذه مقالات وبحوث علمية وفكرية ولغوية متنوعة، كتبتها في أوقات متفرقة ، تحوي  فوائد متعددة ، قطفتها وجمعتها في هذا الكتاب : "ثمار علم"  فكأننا أيها القارئ  الكريم نسير معاً  متأملين في   حدائق  العلم قد أظلتنا من كل جهة أشجاره، وامتدت حولنا أغصانه، ودنت إلينا ثماره.وأسال الله أن  يكتب  أجرها، و أن ينفع  بها. والحمد لله الأكرم،الذي علم بالقلم،علم الإنسان  ما لم يعلم.       

                    صفات طالب العلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن الله خلق الناس جهالاً     {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } ومنحهم القدرة على التعلم وأعطاهم الوسيلة إليه { وجعل لكم السمع والأبصار والافئدة قليلاً ما تشكرون }ثم حثهم على العلم وأرشدهم إليه بكل سبيل ولا أدل على ذلك من أن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله تعالى   : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } والقراءة وسيلة العلم .
 والدين الذي يحث أبناءه على العلم هو الدين السليم لأنه يعلم أنهم كلما عرفوا من العلم شيئا دلهم على صحة ما يعتقدون والدين المنحرف يريد من أبنائه أن يعيشوا في الجهل والخرافة لأنهم لو تعلموا أدركوا انحراف ما هم عليه ...
لذا حث الإسلام على العلم وأشاد بمكانة العلماء قال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة لا مجال لاستقصائها ...
وقد رغب الإسلام في طلب العلم منذ الصغر،وحتى يشيب المرء ويبلغ سن الكبر،  بل حتى يقترب من أهل الحفر؛فمن العلماء من يحرص على العلم قرب ساعة الاحتضار والأمثلة على ذلك متعددة ومن ختم له بطلب العلم فما أعظم أجره وتلك والله الخاتمة الحسنة عاش على العلم وختم له به .
 ولا بد لنيل العلم من صفات لابد لطالب العلم أن يتحلى بها فإن فقدها كان كالضال في صحراء لا يعرف طريقه فهو يتخبط على غير هدى ...
وأجل هذه الصفات قدراً وأعظمها خطراً :إخلاص النية لله                        بأن يصفي نيته من كل شائبة ... قال صلى الله عليه و سلم :  " من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة(أي رائحة الجنة) يوم القيامة "فما أعظم هذا الوعيد!
ولابد لطالب العلم من التحلي بالأخلاق الفاضلة فإن العلم بلا خلق كالجسد بلا روح والأرض بلا نبت وكيف يقبل الناس علم امرئ وهم يرون وضاعة خلقه لو كان هذا العلم نافعاً كان أول مستفيد منه صاحبه.ومن الأخلاق التي لا تليق
بطالب العلم تعاليه إذا عرف شيئا من العلوم وتشدقه به في كل مجلس وإدعاء ما لا يعرف ،وهذه علامة الجهل فإن المرء كلما ازداد علماً ازداد معرفة بجهله فازداد تواضعاً ،كما قال الشاعر:
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
                                   وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي
 وعلى المرء إذا أراد العلم أن لا يخوض بحره دون أن يعرف على أي شئ يقبل؟  وعليه أن يتبين من أمره ويبدأ بالأهم فالمهم ؛ فبما أنه لن يدرك العلم كله،فعليه أن يطلب أجله ...
وإليك فاستمع فهذه خصال طالب العلم
يقول الشافعي رحمه الله:
أخي لن تنال العلم إلا بستة

ذكاء وحرص واجتهاد  وبلغة

سأنبيك عن تأويلها ببيان

وصحبة أستاذ وطول زمان

  فالذكاء موهبة من الله ،وأما الحرص فهو على ما مضى من العلم وذلك يكون بالمذاكرة والضبط ، وأما الاجتهاد فهو لما استقبلك،وأما البلغة فهي المعيشة ونحن في عصر أصبح المرء لا يملك قوت يومه وحسب بل قوت عامه وأكثر، مع أن هناك أناساً تغلبوا على ظروفهم القاسية وطلبوا العلم في أحلك الظروف.وأما صحبة الأستاذ الذي ينهل من علمه فضرورية ولا سبيل للعلم دون معلم .
يقول الشاعر:سبحانك اللهم خير معلم                                
                                       
علمت بالقلم القرون الأولى
وأما طول الزمان فإنه لا بد للمرء من صبر بالغ وعزم شديد ووقت طويل
فمن طلب العلا من غير كدٍ

أضاع العمر في طلب المحال
وكما رأيت أخي فإن خصال طالب العلم كلها تكتسب اكتسابا ويصنعها المرء بيده ما عدا الذكاء ... بل وحتى الذكاء منه ما هو فطري لا حيلة للإنسان فيه ومنه ماهو مكتسب يناله المرء بنفسه فإنهم يقولون : " من استكثر من الحفظ قويت حافظته ، ومن أكثر التفكير قويت فكرته " وليكن معلوماً بأن الصبر يذلل المستحيل ولا شيء يقرب للمرء العلوم كدوام النهمة ،كما قال البخاري حين سئل عن دواء للحفظ فقال :دوام النهمة.
  واعلم أن من جد في طلب حاجته أكرمه الله بنوالها قال الشاعر :
اخلق بذي الصبر أن يحضى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
وقال الشافعي :
وقل من جد في شيء تطلبه

واستشعر الصبر إلا فاز بالظفر
يحكى أن رجلاً جاوز الأربعين سمع واعظاً يعظ عن فضل العلم فوقر في نفسه طلب العلم فلم يعبأ بعمره وسافر إلى بلدة أخرى فيها عالم كبير فحضر حلقة الشيخ وكانت تقام مغرباً فاستمع إليه فلما فرغ الشيخ أملى عليهم بيتين وطلب منهم أن يحفظوها في الدرس القادم في مثل هذا الوقت كما هي العادة .. كتب ذلك الرجل البيتين وانصرف إلى بيته وجعل يحاول حفظ البيتين طوال الليل فلم يستطع حتى دنا انفجر فحفظهما أخيراً فلما انبلج الفجر صلى ونام فلما استيقظ عند الظهر وجد أنه – ويا للشقاء – قد نسيهما فعاد يجاهدهما حتى دنا وقت الدرس فحفظهما ولما أتى الدرس ألقاهما حفظاً على الشيخ ...
 هكذا كانت صعوبة  البداية له لكنه واصل الطريق وصبر فلم يلبث أن أصبح  من كبار علماء عصره .
أخي مهما ادعيت ضعف ذاكرتك فلا أظنك تدعي أنك تصل إلى هذا الحد فما يمنعك إذا إلا ضعف الهمة وقصور الطموح .قال الشاعر:
شباب قنع لا خير فيهم

وبورك في الشباب الطامحينا
وأخيراً هاهنا شيء لابد من ذكره وهو أن تقوى الله سبيل العلم قال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}  فتوفيق الله قبل كل شيء.وتقوى الله نور قلب العالم يهديه في الظلمات ، وينير سبيله في الحياة.
        والحمد لله خالق الإنسان ، معلمه البيان ...
                                               
                   النقد مكانته وضوابطه
في هذا الموضوع:
- ما هو النقد ؟ ( نقد العصفور الثمرة ) .
- هل نحتاج إلى النقد ؟
- كيف تروض الحيوانات الشرسة ؟
- شيخ هندي يلعن الإمام محمد بن عبد الوهاب ثم يتوب ويدعو له مع تلاميذه في كل درس !
- يا إسكافي الزم الحذاء !
- الرسول صلى الله عليه وسلم يتقبل انتقاد أحد الصحابة في بدر .
__________________________________
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
فإن موضوعنا هو النقد ، والإنسان منذ وجد ، وهو ينقد وينقد ...
فالنقد ملازم للإنسان مذ كانت له عينان ولسان .
ما هو النقد ؟
النقد في لغة العرب : قال ابن فارس في مقاييس اللغة : النون والقاف والدال أصل صحيح يدل على إبراز الشيء وبروزه .
ومن ذلك النقد في الحافر وهو تقشره .
وحافر نقد متقشر ، والنقد في الضرس تكسره ...
ومن الباب نقد الدرهم وذلك أن يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك.ا.هـ
وقال الشاعر :
الموت نقاد على كفه
  دراهم يختار منها الثمين

وأقول لعل من هذا الأصل قولنا : نقد العصفور الثمرة ...

بين النقد والنصيحة :
النقد في اللغة يدل على إبراز الشيء وبروزه .
أما النصيحة فتدل على الملائمة والإصلاح .
ولهذا فيمكن القول إن النقد من النصيحة إذا كان النقد للإصلاح .
هذا موضع اتفاق النقد والنصيحة .
بينما يفارق النقد النصيحة في أن النصيحة تكون ابتداء ، بينما النقد لا يكون إلا مترتبا على شيء ، فإذا حصل فعل من الشخص أمكن توجيه النقد ، وأما النصيحة فيمكن توجيهها ابتداء .



مكانة النقد العظيمة :
تتبين مكانة النقد العظيمة في الشرع من ارتباط النقد بالنصيحة والنصيحة عماد الدين ، قال تعالى : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } وقال صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة " قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم  متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم في حق المسلم : " وإذا استنصحك فانصحه " .
وكما تتبين مكانة النقد من ارتباطه بالنصيحة .
فإنها تتبين من ارتباطه بالأمر المعروف والنهى عن المنكر وهو قطب عظيم في الدين .
وهو الأمر الذي من أجله بعث الله الأنبياء والمرسلين ، ومن أجله كانت هذه الأمة خير الأمم أجمعين ؛ قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } .
وقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث الله عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " (حديث صحيح رواه الترمذي) .
فهذا الارتباط بين النقد والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأصل الشرعي للنقد .ومن ارتباط النقد بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما شعار الدين وسنة المرسلين تتبين أهمية النقد وعظم الحاجة إليه وكما أن الدراهم تحتاج إلى نقد ليتبين زائفها من صحيحها كذلك الناس والأعمال . وإلا راج الزائف وكسد الصحيح .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : "المؤمن مرآة أخيه"
وقال الشاعر :
فالعين تبصر فيها مادنى و نأى
       ولا ترى نفسها إلا بمرآة


الحاجة إلى النقد
وتتجلى أهمية النقد في النقاط التالية :
1- عظم الحاجة إلى النقد ولا سيما حاجة المسلمين في هذا العصر مع تخلف الأمة وانحطاطها في كثير من المجالات ومع هذا ترى أنه لا يحصل تقبل للنقد لا على سبيل الدول ولا على مستوى الجماعات ولا على مستوى الأفراد .
2- لدينا على جميع المستويات اعتراف مجمل بالنقص ، فتجد القائل يقول : نحن بشر . ومرحبا بالنقد أو يقول لسنا معصومين أو يقول : كلنا عرضة للخطأ ...
ثم تجد القائل يقف عند هذا ولا يرضى بالنقد ، فهو يقول عبارات الاعتراف بالنقص والترحيب بالنقد ولكنه لا يسعى للاستفادة من النقد فهو يكتفي بالعبارات العامة ، وادعاء قبول النقد عامة ولكنه في الحقيقة لا يستفيد من النقد مع أن قبول النقد كمال بشرى ...
3- أننا نملك منهجا ربانياً بينه الكتاب والسنة ونملك تراثاً إسلامياً عظيماً من سير السلف الصالح حول النقد وآدابه ، وللأسف فقد فرطنا نحن فيه .على حين يعمل الغرب مستفيداً منه ، فحق النقد هناك مكفول للجميع ،بينما في كثير من البلاد الإسلامية يعمل بالمنهج الفرعوني : {ما أريكم إلا أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} ".  و تجد في بلادنا الإسلامية أن الفرد لا ينتقد إلا من يكره .
4- انتشار المنكر إذا لم يحصل النقد :
إن المنكر إذا ترك ولم يوجه إليه نقد فلا يلبث أن يألفه الناس ، ويفعله الكبير والصغير ، ويصبح من الصعب تغييره أو إزالته كالمرض إذا أهمل استشرى في الجسم وعسر علاجه . وبهذا فالنقد يشبه الكشف أو العلاج الطبي .
5- تحول المنكر إلى معروف إذا لم يحصل النقد :
إن من الملاحظ أن القبيح إذا اعتادته النفس البشرية ولم يوجه له نقد أصبح حسنا مألوفاً مع كثرته وانتشاره وهذا من انطماس البصيرة حتى يصبح المعروف ما رآه الناس معروفاً وإن خالف الشرع ، والمنكر ما أنكره الناس وإن كان من الشرع .
6- إن الشخص إذا فعل المنكر ولم ينتقد فيه ، لا يلبث أن يعم المنكر كل أفعاله ، فيصبح الشخص خبيث الروح شرير النفس .
وكذلك المحسن إذا أحسن ثم لم ينتقد (أي يبين حسن فعله) لا يلبث أن تخبو روحه فيتوقف عن العمل .
7- النقد طبيعة إنسانية فلابد من وجود النقد ، وإن لم يكن النقد علناً كان سراً ، وإن لم يكن منظما كان عشوائياً .
وبما أن النقد لابد منه فأن يبلغ إلى صاحبه حسب الضوابط والآداب المرعية خير من أن يكون في الخفاء أو أن يكون نقداً عشوائياً . ولكي لا يكون النقد عشوائياً فلابد من مراعاة ضوابطه وآدابه .

ضوابط النقد :
1- العلم بحقيقة ما ينتقد فيه ، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، والعلم قبل القول والعمل ، ولا يمكن لعاقل أن ينتقد شيئاً دون أن يعرفه ، وإلا كان انتقاده بالباطل ورجماً بالغيب .
ولكن الإنسان ربما من جهله عرف المنكر وأنكر المعروف وهذا من اختلاط المفاهيم عند الناس . ولا يمكن وجود النقد مع الجهل فالنقد مرحلة متقدمة من المعرفة مثال ذلك قصة الرسام و الإسكافي : يحكى أن رساما صنع لوحةً وكان فيها رسمة لحذاء فلما رآها إسكافي " وهو صانع الأحذية " انتقد رسم الحذاء وكان الرسام مختبئا خلف اللوحة المعروضة على الناس ، فلما ذهب الإسكافي خرج الرسام وأصلح رسم الحذاء كما قال الإسكافي .
وفي مرة أخرى عاد الإسكافي فلما رأى اللوحة قد أصلحت حسب قوله في رسم الحذاء أعجبه ذلك وجعل ينتقد الأجزاء الأخرى بغير علم .
فلما سمع ذلك الرسام خرج من خلف اللوحة وقال : يا إسكافي الزم الحذاء ولا تتجاوزه لما لا تعلمه .
2- الورع : فلا يجوز أن يأتي المنتقد الفعل الذي ينتقد ؛ هذا من أقبح الفعل، وهو مضعف لأثر النقد بل يكاد يعدمه ؛ لأنه لا ينتظر أن يتقبل أحد النقد ممن يفعل الشيء ذاته ، لأن المنتقد سيقول : لو كان حقا لكان الذي ينتقدني أولى بالانتفاع به ...
قال تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } .
وقال أبو الاسود :
يا أيها الرجل المعلم غيره
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
أبدأ بنفسك فانهها عن غيها
    هلا لنفسك كان ذا التعليم
    كيما يصح به وأنت سقيم
    فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

وقال الشاعر :
إذا فعل الفتى ما عنه ينهى
      فمن جهتين لا جهة أساء

وقال الحسن البصري : " إذا كنت ممن يأمر بالمعروف فكن من آخذ الناس له وإلا هلكت " .
وقد قيل :
لا تلم المرء على فعله
من ذم شيئاً وأتى مثله
     وأنت منسوب إلى مثله
     فإنما يزري على عقله

ومع هذا فإن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها ولو وجد المسلم الحق مع من لا يعمل به فينبغي له الأخذ به كما قال الشاعر :
خذ من علومي ولا تنظر إلى عملي

وإن مررت بأشجار لها ثمر

ينفعك علمي ولا يضررك إصراري

فاجن الثمار وخل العود للنار

وهذا في شأن المستمع ، وأما من ينهي عن المنكر ويفعله ، أو ينتقد ويأتي ما ينتقد
فلا شك أن هذا في نفسه عظيم ؛ كما قال تعالى : { كبر مقتاً عند الله أن تقولوا     ما لا تفعلون } .
وكما ورد في الحديث أن رجلاً يلقى في النار فتندلق أمعاؤه في النار فيقول له قومه : ألم تكن تنهانا عن المنكر وتأمرنا بالمعروف فيقول : كنت أنهاكم عن المنكر وآتيه وآمركم بالمعروف ولا افعله .
3- حسن الخلق والرفق ، فإن ترك الإنسان لأفعاله وعاداته لأجل انتقاد غيره ثقيل على النفس عادة ، فإذا اجتمع مع ذلك غلاظة وفظاظة كان ذلك مظنة رد النقد ، والنقد قد يجر الغضب والنزاع فإذا لم يكن المنتقد حسن الخلق رفيقا أدى النقد إلى مفسدة كبيرة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه " ...
وقام رجل يعظ المأمون فقال:إني أريد أن أعظك وأغلظ عليك ؛ فقال المأمون : يا رجل ارفق، فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر منى وأمره بالرفق . بعث الله موسى وهارون إلى فرعون فقال تعالى:{فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى }.
وقال محمد بن عبدالله بن عائشة : إن الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويكون معروفهم منكرا فعليكم بالرفق في جميع أموركم تنالوا به ما تطلبون.
والرفق ضرورة في النقد لاسيما عند وجود حاجز ضبابي أمام عين المخطئ بسبب الجهل كما في حديث الرجل الذي جاء يستأذن في الزنا فقال صلى الله عليه وسلم : أترضاه لامك قال لا : قال : ولا الناس يرضونه  لأمهاتهم ...- وفي آخر الحديث-... فكان الزنا ابغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد .
وفي قصة معاوية بن الحكم لما تكلم في الصلاة فرفق النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه ، ومثلها قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وغيرها كثير .
وفي النقد يجب استخدام العبارات اللطيفة وهذا من الرفق الطيب تقول مثلاً : ما رأيك لو تفعل كذا ؟ وهذا لا شك خير من قولك مثلا : أمجنون أنت ، لم فعلت كذا ، يا قليل التهذيب ؟.
وتذكر أن الكلمة القاسية في العتاب لها كلمة طيبة مرادفة تؤدي المعنى نفسه وفي المثل " نقطة من العسل تصيد من الذباب ما لا يصيد برميل من العلقم " .
وتذكر أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم وهذه طبيعة إنسانية .


4- مراعاة أن لا يترتب على النقد مفسدة .
فيجب أن يخضع النقد لمراعاة المصالح والمفاسد وإلا كان الناقد كمن يريد أن يعدل ضلعاً فيكسره.أو يكحل عينا فيعميها.وهذا يحصل حين يودي انتقاد الأمر الصغير إلى أمر منتقد أكبر منه .
5- معرفة الأولويات : فمن المعلوم أن الأمور ليست على مستوى واحد من المكانة . ومن السفه أن يكون النقد لأمر جزئي أو صغير مع ترك الأمور الكلية أو الكبرى .


6- التثبت قبل النقد وطلب العذر للآخرين : الكثير من الناس يسارع إلى الانتقاد قبل التثبت ثم إذا تبين له خطأه فلا تسأل عن حرجه وخجله ؟ولهذا فمن الواجب التثبت قبل النقد .
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم  نادمين } فيجب أن يبنى النقد على أرض صلبة من اليقين لا على الظن والتهمة .
ومن التثبت سؤال الشخص بصيغة الشك كقول عمر لسعد بن أبي وقاص : يا أبا إسحاق زعموا أنك لا تحسن تصلى " وللمزيد حول هذا انظر أخلاقنا الاجتماعية – لمصطفى السباعي ص 60 بين النصيحة والتشهير " .

7- تقدير أن الناس ليسوا ملائكة ولا أنبياء والنقص طبيعة البشر فلا تطمع أن لا تعثر على زلة أو هفوة ولكن قدر كل شيء بقدره ، فالكمال في البشر متعذر .
              قال الشاعر :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
  كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

وقال الشافعي رحمه الله : " ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه ، ولا أحد يعصى الله ولا يطيعه ، فمن كانت طاعته اغلب من معاصيه فهو عدل "               هذا هو الاتزان ، وهذا هو العدل .ومن نظر إلى الناس بهذه النظرة ارتاحت نفسه وإلا شقي . وقد قيل : " من لا يَعذر لا يُعذر " .
8- النظر للأمور بوجهات النظر الأخرى :
فربما تكون المسألة اجتهادية قابلة للنظر فلا يصح مصادرة الرأي الآخر ولا تقل: رأيي هو الحق ، وكل ما سوى الحق باطل . فربما احتمل الأمر أكثر من رأى ، فقد يكون الخلاف خلاف تنوع :كاختلاف المفسرين في  تفسير { الصراط المستقيم } فبعضهم قال : هو اتباع القرآن ، وبعضهم قال : هو الإسلام ، فهذان القولان الاختلاف فيهما اختلاف تنوع ؛ لأن دين الإسلام هو  اتباع القرآن .  :
وقد يكون الخلاف محتملا كما في خلاف الصحابة في صلاة العصر في غزوة بني قريظة ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أحد من الفريقين .
ولكون الأمور كثيراً ما تحتمل أكثر من رأى فقد قرر العلماء أن من شروط النهي عن المنكر أن يكون منكراً في نظر من يفعله . ومن النظر للأمور بوجهات النظر الأخرى محاولة أن تضع نفسك موضع الآخرين لتعرف كيف يفكرون ومن أي قاعدة ينطلقون، وهذا مما يسهل وصول النقد ، أو يدعو للاستغناء عنه .
9- الإنصاف والتوسط وعدم الشطط:                   قال تعالى : { اعدلوا هو اقرب للتقوى } والإنصاف عزيز وكثير من الناس كهزاز الساعة حيناً أقصى اليمين وحيناً أقصى اليسار إذا رضي رفع للسماء وإذا سخط وضع تحت الأرض ، وما صدق في الأولى ولا في الأخرى .
فمن الإنصاف عند الانتقاد ذكر جوانب الصواب كما يذكر الخطأ وفي الحديث " نعم الرجل عبدالله لو كان يصلى من الليل " قالت حفصة فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام إلا قليلاً .
ومما يتصل بهذا قاعدة " المدح على قليل الصواب يكثر منه " وقد أخذ بهذه النظرية مدربو السيرك فنجحوا في ترويض الحيوانات الشرسة ودربوها للقيام بأعمال عجيبة وطريقتهم أنهم يطلبون من الحيوان عملاً معينا فإذا حقق نسبة نجاح    5% أعطوه قطعة لحم ، وربتوا على جسمه دلالة على رضاهم عنه ، ثم يكررون العملية عدة مرات ، وتزداد نسبة النجاح شيئاً فشيئاً . وهكذا تكون التربية .
10- الصبر على الأذى فإن من ينتقد معرض للأذى لأنه خارج عن ما اعتاده الناس أو ما أحبوه ولذا قال تعالى:{ واصبر على ما أصابك }
                 وقال تعالى :
                 { خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين } .
11- تجنب الجدال إلا بالتي هي أحسن ، فالمراء له مفاسد كثيرة كما قال عبدالله بن الحسن : المراء يفسد الصداقة القديمة ، ويحل العقدة الوثيقة ، وأقل ما فيه أن تكون المغالبة والمغالبة أمتن أسباب القطيعة . وفي الحديث " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً " .
ومما يتصل بتجنب الجدال محاولة تجنب النقد المباشر ومحاولة أن تجعل الآخرين يتوصلون لفكرتك .
ومن الشواهد لذلك ما ذكره الشيخ محمد بن إبراهيم من قصة الشيخ عبدالرحمن البكرى حينما ذهب إلى الهند ، وسمع أحد العلماء يلعن الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نهاية كل درس ، فقام الشيخ البكرى بنزع غلاف كتاب التوحيد ، ودعا الشيخ الهندي لمنزله ثم استأذنه ليأتي بالطعام ، وكان الكتاب قريبا من الشيخ الهندي فاخذ بتصفحه وأعجبه .
قال: فلما رجعت وجدته يهز رأسه عجباً فقال : لمن هذا الكتاب ؟ هذه التراجم عناوين الفصول شبه تراجم البخاري ، هذا والله نفس البخاري . فقلت : ألا نذهب للشيخ الغزوى لنسأله .
وكان صاحب مكتبة – فاخبرهم أنه للشيخ محمد بن عبدالوهاب فصاح العالم الهندي بصوت عال : الكافر ؟ فسكتنا وسكت قليلا ثم هدأ غضبه واسترجع ثم قال : إن كان هذا الكتاب له فقد ظلمناه ، ثم صار كل يوم يدعو له ويدعو معه تلاميذه ، وتفرق التلاميذ في البلاد وهم على عادة شيخهم يدعون له في دروسهم .
12- التدرج في النقد ، فإن النقد مراتب ودرجات ومن الحكمة تنزيل كل مرتبة على أهلها فمن يندفع بالنظرة لا حاجة معه للكلمة . ومن يندفع بالعتاب لا حاجة معه للتوبيخ وهكذا .
وفي درجات النقد ومراتبه أفراد الغزالي في كتابه :إحياء علوم الدين في حديثه عن الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفحات في الحديث عن درجات النقد ، ويمكن الرجوع إليها للاستزادة .

أنواع النقد :
1- نقد عام : وهو النقد الذي لا يختص بشخص بعينه وإنما يعمم ويوجه نحو العمل نفسه وهذا كثيرٌ في القرآن كأسلوب "ومن الناس" كقوله تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله }
 وكثر قوله تعالى في فضح المنافقين في سورة التوبة : ومنهم ، ومنهم .
 وكما في الحديث " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " .

2- النقد الخاص : وهو الموجه نحو شخص بعينه .
والحقيقة أن كل واحد من النوعين له ظروفه ومواضعه فالأصل أن يكون النقد عاما موجها للعمل بعينه ولكن حين يحتاج إلى التخصيص كأن يكون هناك تملص من تحمل المسئولية أو يكون الشخص مجاهراً ويخشى خطره فنحتاج للنقد الخاص .
وكذلك يمكن أن يكون النقد جهرا أو سرا وهذا يكون حسب المصلحة فأحيانا يكون الجهر بنقد إنسان يستدعي عناده وإصراره على الخطأ وقد يحصل من الجهر بالنقد فتنة أو منكر أكبر  فحينها يناسب النقد سرا.
وأحيانا يكون الجهر بالنقد  مفيدا للتغليظ على من أساء،والقوة في التحذير فحينها تقدر المصلحة بقدرها .
 نهاية المطاف :
قبول النقد والاستفادة منه هو ثمرة النقد ، ومواقف السلف في تقبل النقد كثيرة من ذلك نقد الحباب بن المنذر للموقع الذي نزله صلى الله عليه وسلم في بدر عند آخر آبارها ورأى الحباب النزول عند أول الآبار ، ويطمر ما خلفها ليشرب المسلمون ولا يشرب الكفار ، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد قال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }.
للاستزادة حول النقد:
1- إحياء علوم الدين / للغزالي .
2- تهذيب مدارج السالكين / لابن القيم . تهذيب عبدالمنعم العزي .
3- أخلاقنا الاجتماعية / مصطفى السباعي .
4- منهاج المسلم / أبو بكر الجزائري .
5- نزهة الفضلاء في تهذيب سير أعلام النبلاء .
6- كيف تكسب الأصدقاء / دايل كارنييجي .
7- فن التعامل مع الأخطاء / عبد الله آل السيف " مقالة في مجلة البيان " .
وغيرها من المراجع 
والحمد لله رب العالمين
           لمحة مختصرة عن الكتب الفقهية
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد:
فهذه لمحة مختصرة لمن أراد معرفة كتب الفقه ، والتوسع في بحره، والسير في مدارجه.
أولاً:الكتب التي رتبت للتدرج في الفقه على طريقة الحنابلة وهي كتب ابن قدامة رحمه الله(توفي سنة620هـ):
1-عمدة الفقه :وهو كتاب مختصر للمبتدئين في الفقه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله يورد فيه ابن قدامة رحمه الله المسائل على قول واحد وبعض الأدلة باختصار
2-المقنع: وهو كتاب يورد فيه القول المشهور في مذهب الإمام أحمد مع ذكر رواية ثانية أحيانا
 دون ذكر تفاصيل الخلاف وتفاصيل الأدلة وقد اختصره الحجاوي (توفي سنة 968هـ)  في كتابه
 الشهير زاد المستقنع في اختصار المقنع
3-الكافي : وهو كتاب يجمع الفقه على مذهب الإمام أحمد ويورد الروايات في المذهب ويرجح ويأتي بالأدلة للروايات
4-المغني: وهو كتاب موسع في الفقه يورد فيه جميع المذاهب الفقهية ،والأدلة لكل مذهب مع التوسع في التفاصيل.
يقول الشاعر في مدح الموفق ابن قدامة:
وفي عصرنا كان الموفَّقُ حُجَّةً ...   على فقهه الثَّبت الأصول معوَّل
كفى الخلق بالكافي، وأقنع طالباً ...     بمقنع فقه عن كتاب مطوَّل
وأغنى بمغني الفقه مَنْ كان باحثاً ...  وعمدته من يعتمدها يحصِّل
ثانياً:الكتب المعتمدة في المذهب عند متأخري الحنابلة:
المعتمد في مذهب الحنابلة عند المتأخرين: كتاب منتهى الإرادات لابن النجار(توفي سنة 972هـ) وهناك كتاب آخر هو:الإقناع للحجاوي (توفي سنة 968هـ) وعند الخلاف يرجع الحنابلة إلى كتاب غاية المنتهى للشيخ مرعي(توفي سنة 1033هـ) للترجيح بين الكتابين والغالب الأخذ بكتاب منتهى الإرادات.
وهذا الكتاب منتهى الإرادات لابن النجار هو المعتمد في القضاء عند تأسيس الدولة السعودية الثالثة وإلى وقت قريب هو المعتمد في المحاكم وأما الآن فصار المجال للقضاة في الترجيح بين الأقوال والمذاهب أكبر.
ثالثاً:الكتب المعتمدة في المذاهب الأخرى(الحنفية والمالكية والشافعية)
في كل مذهب نجد كثيرا من الكتب المختصرة والمطولة  ولكن يمكن أن نكتفي بذكر كتاب يعتمده غالب المتأخرين من علماء كل مذهب كما يلي:
عند متأخري الحنفية : كتاب :حاشية ابن عابدين
عند متأخري المالكية :كتاب :حاشية الدسوقي
عند متأخري الشافعية: كتاب:مغني المحتاج للشربيني

رابعاً:كتب معاصرة مهمة:
 1-كتاب(منهج السالكين) للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله                                      
  في العصر الحاضر ألف الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله كتابه المختصر القيم(منهج السالكين)  فأغنى المبتدئين عن عمدة الفقه لابن قدامة وعن غيره من مختصرات الفقه لأن كتاب منهج السالكين أرجح أقوالا لأنه مبني على الراجح من أقوال الأئمة الثلاثة (مالك والشافعي وأحمد) ولحسن اختيار الشيخ رحمه الله ثم إنه أكثر وضوحا وسهولة.
 وقد جعل الشيخ رحمه الله كتابه هذا  منهجا يدرس للصغار من طلابه ويؤسسهم عليه فكان ممن أُسِسَ
على هذا الكتاب فقيه العصر شيخنا محمد العثيمين رحمه الله.
ولكتاب منهج السالكين شرح نافع طبع في مجلدين هو(إبهاج المؤمنين شرح منهج السالكين) لشيخنا  عبد الله الجبرين رحمه الله.
2- كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع لشيخنا  محمد العثيمين رحمه الله
كتاب (الشرح الممتع) هو شرح لكتاب (الزاد) الذي ألفه الحجّاوي اختصارا لكتاب(المقنع).
وقد طبع كتاب الشرح الممتع في خمسة عشر مجلدا بإشراف مؤسسة الشيخ محمد العثيمين.
وكتاب (الشرح الممتع) كتاب نفيس في الفقه يصلح لمن أراد التوسع في الفقه وهو كتاب يغني عن كثير من كتب الفقه ولا يغني عنه غيره؛وذلك لأن شيخنا محمد العثيمين رحمه الله تميز بربط الكتب السالفة بالحياة المعاصرة فيأتي بالأمثلة والمسائل المعاصرة ،ثم إنه يسهل الأسلوب مراعاة للطلاب،
 ويتوسع في التفصيل والترجيح مع حسن الاستدلال.

3- الموسوعة الفقهية الكويتية
ألفه مجموعة كبيرة من العلماء بإشراف وطباعة وزارة الشئون الإسلامية في الكويت وهو كتاب موسوعي لا يورد المسائل على حسب الأبواب الفقهية وإنما يوردها على حسب الألفاظ مرتبة على حروف الهجاء يبدأ بحرف الألف فيذكر كل كلمة فقهية تبدأ بالألف ويورد ما يتعلق بالكلمة من أحكام
فقهية ويتوسع في بيان الأحكام والمذاهب والأدلة ثم ينتقل إلى حرف آخر حتى يصل إلى حرف الياء.
وقد طبع الكتاب في أكثر من أربعين مجلدا كبيرا وهو كتاب موسوعي معاصر يصلح للرجوع والتوسع في بحث كلمة ونحوها وفي جمع المسائل في مبحث معين ونحو ذلك.
* نصيحة في ترتيب الكتب  للمبتدئ في طلب الفقه :
من أراد أن يحصل الفقه ويبدأ الاستفادة  من كتبه فليبدأ بكتاب (منهج السالكين) للشيخ عبد الرحمن السعدي فليعتن به حفظا - إن أمكن – أو تكرار مطالعة واستحضار ،وإن تيسر له حضور درس
في شرحه مع العناية  بقراءة شرحه لشيخنا عبد الله الجبرين رحمه الله.
ثم إذا ضبط كتاب منهج السالكين فليتوسع بقراءة ومدارسة كتاب (الشرح الممتع) لشيخنا محمد العثيمين رحمه الله ويستمع للأشرطة الصوتية في شرحه ؛ فإن من ضبط واستوعب كتاب الشرح الممتع صار فقهياً وتأهل للنظر في كتب الفقه المطولة وقد كان يقال عن كتاب زاد المستقنع :
"من حفظ الزاد حكم بين العباد".فكيف بمن ضبط كتاب الزاد ومعه شرحه كتاب الشرح الممتع كيف
لا يصبح فقهيا متأهلا للنظر في كتب الفقه المطولة ؟
ومن استوعب كتاب الشرح الممتع فليكثر من المطالعة في الكتب المطولة وكما قيل :"إنما السيل اجتماع النقط".
وختاماً:علم الفقه علم واسع كالبحر الكبير يموج بالتفاصيل و تتنوع فيه المسائل  وتتجدد، يعايشه المرء في كل أوقاته  ولهذا يقال عنه علم الحياة.
جعلنا الله ممن يتفقه في دينه ،ويجتهد في طاعته، ويبلغ مرضاته .
                              والحمد لله رب العالمين
                              علم الفراسة

الفراسة هي: المهارة في التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها ، والمتفرس هو الماهر في ذلك فهو كما قال الشاعر : -
الألمعي الذي يظن بك الظـ
ـن كأن قد رأى وقد سمعا

 وأخبار فراسة العرب كثيرة شهيرة قديماً وحديثاً ... ولكن لا مجال لضرب الأمثلة . وسبب الفراسة جودة ذهن المفترس ، وظهور علامات وأدلة في المفترس فيه .
والفراسة الإيمانية هي من أنواع الفراسة وفيها يقول الله تعالى : { إن في ذلك لآيات للمتوسمين }وسببها كما يقول ابن القيم في مدارج السالكين : نور يقذفه الله في قلب عبده ، يفرق به بين الحق والباطل والصادق والكاذب .
وفي الحديث: ( إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم ) _ رواه الطبراني وحسنه الهيثمي والألباني -. وقال عمرو بن نجيد : كان شاه الكرماني حاد الفراسة ويقول من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة ، وظاهره باتباع السنة وتعود أكل الحلال لم تخطئ له فراسة .
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه صائب الفراسة ووقائع فراسته مشهورة فإنه ما قال لشيء " أظنه كذا "  إلا كان كما قال ، وكان يقول : " من لم ينفعه ظنه لم تنفعه عينه " .
وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور الذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عبادة فيحيا القلب بذلك و يستنير فلا تكاد فراسته تخطئ ، قال تعالى : { أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات                ليس بخارج منها } .
ولكن هل الفراسة مقصورة على نور الإيمان وجودة الذهن وحدة الخاطر ؟ أم أن هناك قواعد يمكن الاعتماد عليها للتفرس في أحوال الناس ؟
الحق أن الفراسة ليست مقصورة على الموهبة وحسب ولكن هناك قواعد يمكن من خلالها الإلمام بأطراف الفراسة ، بل إن الفراسة علم له أصول وقد كتب فيه وألف من قديم الزمان ومر التأليف فيه بمراحل عدّة فيها الصواب وفيها الخطأ ، ومن أقدم ما كتب في علم الفراسة ما كتبه أبقراط الملقب بأبي الطب حوالي سنة 450 قبل الميلاد وقد قسم أبقراط الناس إلى أنماط تبعاً لكيمياء الدم ، ويمكن التعرف على خلائق الناس وأحوالهم من خلال هذه الأنماط المحددة فالناس لديه أربعة أنواع : -
1- الصفراوي : ويتميز بحدة الطبع وتقلب المزاج .
2- السوداوي : ويتميز بالاكتئاب والنظر إلى الحياة نظرة سوداء .
3- الليمفاوي أو البلغمي : وهو بارد في طباعه ، جاف ، وغير حار الشعور .
4- الدموي : ويتميز بالمرح والأمل في الحياة .
وهذه الألفاظ مازالت حتى الآن تستعمل في كتب الأدب والتاريخ – أحياناً – وأما أول كتابة منظمه في الفراسة فتعزى إلى أرسطو ، حيث كتب ستة فصول في طرق دراسة الفراسة ، وعلامات الشخصية ، وعلامات الضعف والقوة ، والعبقرية والغباء والخجل والغضب ... إلخ ، ثم درس الفراسة في الرجل والمرأة من ملامح الوجه ولون البشرة والشعر ، وشكل الجسم والأطراف ، وطريقة المشي والصوت ، وشبه أرسطو الإنسان بالحيوانات المختلفة ، فإذا كان المرء طويل الأذنين فهو يشبه في أخلاقه الحمار وهكذا ... وتستطيع أن تتعرف على طريقته في كتابه من الفقرة التالية عندما يناقش موضوع الأنوف فيقول :" إن ذوي الأنوف الغليظة أشخاصُ عديمو الإحساس مثل الخنازير ، أما ذوو الأنوف الحادة الطرف فأشخاص غضاب مثل الكلاب ، أما الأنوف الضخمة المنحنية الفطساء فهي للعظماء مثل الأسد ، أما الأنوف المعقوفة مثل منقار النسر فيتميز أصحابها بالنبل مع الطمع ... إلخ .
وحين انتقلت العلوم للعرب المسلمين ألف علماء الطب وغيرهم في الفراسة كابن سينا ، وكالفخر الرازي في كتابه " الفراسة " وابن رشد وغيرهم ، ولكنهم ساروا على طريقة أرسطو ولم يخرجوا عنها كثيراً .
وحين انتقلت شعلة العلم للغرب ترجموا اللغة العربية ولم يخرجوا من تلك الطريقة ولكن مؤلفاتهم عن الفراسة منذ القرن الثالث عشر الميلادي اختلط فيها علم الفراسة مع قراءة الكف والتنجيم .
ولكن مع تطور علم التشريح ومعرفة العلماء لجسم الإنسان بدقةٍ أكثر ، ابتدأ علم الفراسة يأخذ صبغة تشريحية ، فمع مطلع القرن التاسع عشر ظهر علم قراءة نتوءات الجمجمة على يد عالم فرنسي يميل إلى الدجل العلمي ويدعى " جال " ، وقد قسم " جال " وأتباعه سطح الجمجمة إلى حوالي 35 منطقة ، كل منطقة منها مختصة بقدرة عقلية معينة فمثلاً لا حظ جال رؤوس المتعبدين في الكنائس وانتهى إلى وجود نتوء معين في الرأس يميزهم فافترض وجود ملكة التدين تحت هذا النتوء في مؤخرة الرأس وأعطى هذه المنطقة رقم ( 14 ) ، ولما كان الشعراء - عادة ً – يضعون أصابعهم السبابة في الجانب الأيسر للجبهة يستلهمون الشعر فقد قرر أن ملكة المثالية تختفي تحت هذا المكان وأعطاها الرقم       ( 19 ) وهكذا ...
ويكفي لدحض هذا الرأي أن تقسيم المخ بهذا الشكل لا يتفق مع أبسط المبادئ العلمية في تشريح المخ وعلم وظائف الأعضاء .
وقد انتشرت هذه الطريقة في القرن التاسع عشر ، وأصبح في كل مكان مختص يقوم بقياس حجم ونتوءات الجمجمة ليتنبأ بالقدرات العقلية للفرد ، ثم ساءت سمعة هذه الطريقة حتى اندثرت .
ومع تقدم علم وظائف الأعضاء بدأ عصر جديد من دراسة الفراسة على أساس عضوي وذلك بالتعرف على تأثير الانفعالات على العضلات المختلفة وكيف تظهر التعبيرات التي تدل على عواطف أو انفعالات معينة . والتعرف على العلاقة بين الحالة النفسية والمظاهر الجسمانية .
وأُلف في هذا عدة كتب منها كتاب ( مقالة عن تشريح التعبيرات )       لتشارلس بل عام 1806 م وكتاب ( التعبير عن الانفعالات ) لداروين في عام 1872 م ... ورغم وجود انتقادات لبعض أفكار تلك الطريقة إلا أن أسسها العامة تستحق النظر ؛ فمعلومٌ أن الحالة النفسية تؤثر على المظهر العام تأثيرات عضوية مثل حمرة الخدين عند الخجل ، والتقطيب عند الغضب ..
وعند دراسة تلك المظاهر دراسة أعمق يشير الدارسون إلى أن الغرض الأساسي من تقطيب الوجه عند الغضب – مثلاً – هو إخافة العدو .
ولكن باستمرار حالة الغضب وتكرارها تنمو العضلات المسؤولة عن ذلك ، ويتغضن الجلد وتظهر التجاعيد مما يعطي لوجه الشخص مظهراً متجهماً دائماً حتى في حالات سروره .
وفي العصر الحديث ظهرت مرحلة جديدة في علم الفراسة وهي مرحلة جيدة وعميقة وذلك بدراسة حركات الجسم وإشاراته .
فالكلام والإشارة شريكان في نقل المعاني والاتصال بين الناس ، وبينما يفهم الناس الكلام المنطوق ( اللفظ ) والكلام المكتوب ( الخط ) فإن كثيرا من الناس قد لا يفطن لمعاني الإشارات .. مع أن الإشارات والإيماءات تقوم بتكملة معنى الكلام المنطوق أو تنفي معناه أو قد يتكلم الفرد بالإشارة فقط فهزة الرأس تعني الموافقة وهزة أخرى قد تعني الرفض وغير ذلك .
وبعض هذه الإشارات إرادية يفعلها الفرد لنقل مفهوم معين وكثير منها غير إرادي يفعلها الشخص دون قصد . وهذه الإشارات غير الإرادية هي المقصودة بالدراسة لأنها ترجمة أمينة لما يدور في ذهن القائم بهذه الإشارة . وبينما يستطيع الفرد الكذب بلسانه فإن إشاراته غير الإرادية في مجموعها أو ما يسمى " بالكتلة الإشارية " سوف تفضحه ؛ إن كل إشارة لوحدها مفردة لها معنى خاص ومجموع الإشارات المفردة هي الكتلة الإشارية التي تخبر بما في داخل الفرد ومن أمثلة الإشارات المفردة : إخفاء الفم باليد .. فوضع اليد على الفم يعني الدهشة وأحيانا ترى هذه الإشارة عندما يقول شخص ما يندم عليه ويندهش لما قاله فهو كما لو كان يحاول منع تدفق الكلام من فمه ولعل كثيرا من الآباء لاحظوا هذه الإشارة عندما يجيب الطفل عن سؤال حول خطأ فعله ، فعندما يبدأ الطفل في الإجابة  فسوف ترتفع يده إلى مكان ما بالقرب من فمه . وقارن هذه الإشارة بما يفعله الطفل عندما يكون واثقا من براءته أو يكون متحمسا لشيء ما ، فعندها سوف يشير الطفل بيديه ويلوح بذراعيه أو يضع يده في أي مكان بعيدا عن فمه . ومن أمثلة الإشارات المفردة : النقر على الطاولة بالأصابع أو بالقلم فهذه الإشارة تعني السآمة والملل وحين يثار اهتمام الشخص فإنه يتوقف عن هذه الإشارة .
وتختلف هذه الإشارات من حيث الوضوح والخفاء فبعض الإشارات مثل عقد الساعدين على الصدر قد لا يختلف معظم الناس في تقييمهم لها أنها إشارة دفاعية .
وبعض الإشارات مثل عمل تكوين هرمي بالأصابع يخطئ  الكثيرون في فهم معناها بينما يصل القليلون إلى فهم أنها تعبر عن الثقة بالنفس .
وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تشير إلى أن قراءة المشاعر تعتمد على إشارات الجسم وتعبيرات الوجه . فمثلا دوران العيون في المحاجر عند الرعب العظيم يقول تعالى : { أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } .
ومثلا وضع اليد على الفم عند الشك والريبة أو التردد يقول تعالى : { فردوا أيديهم إلى أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك ما تدعونا إليه مريب} .
والدراسة للإشارات المفردة ثم للكتل الإشارية ليست بالأمر اليسير فكثيرا ما نجد فصاما بين الكلام المنطوق والإشارات التي يرسلها الشخص لا إراديا . ففي أحد الأحاديث التلفزيونية – مثلا ً – قرر أحد الوزراء أنه يؤمن بالحوار المفتوح مع الشباب وفي نفس الوقت كان يهز أصبعه السبابة أمام وجهه ثم يضرب المكتب أمامه بقبضة يده ؛ فالكلام المنطوق كان يعني الاتفاق بينما الإشارات التي كان يرسلها لا إراديا كانت تعني التهديد أي العكس تماما ، مما يعطي معنى جديدا للمثل العامي " أسمع كلامك أصدقك ، أشوف أمورك أستعجب " .
وفي أغلب الحالات نجد أن الاتصال غير الكلامي هو الأصدق . ويدرك كثير من الأطفال ذلك فقد يهدد الأب ويتوعد ولكن لمعة في عينيه وارتجاف جوانب فمه من ابتسامه يحاول إخفاءها تجعل الطفل يدرك أن الأب غير جاد في تهديده .
ولذلك فإن ممارسة الفراسة الحديثة ودراسة الإشارات ليست بالأمر اليسير بل هي علم يحتاج إلى مران كثير ، فيجب قراءة الكتل الإشارية باستمرار وكذلك قراءة الكتل الإشارية التي يمارسها المتفرس نفسه .
وعلى الرغم من صعوبة التركيز على قراءة الإشارات بطريقة موضوعية ، إلا أنه بتمرين عقلنا الواعي يصبح ذلك سهلا أسهل من تعلم أي لغة أجنبية
ويجد الدارس للإشارات أنه ينتقل في سلم تعلم الفراسة الحديثة خلال المراحل الآتية : -
1- قراءة الإشارات المنفردة وهي إشارات ليست قليلة حتى أن فريق بحث إنجليزي قام بتحديد بعضها فبلغ ما حدده أكثر من 135 إشارة منها 80 إشارة خاصة بتعبيرات الوجة والرأس .
2- قراءة الكتل الإشارية ومجموعة الإشارات .
3- معرفة توافق أو شذوذ الإشارات فيما بينها وبين بعضها .
4- معرفة توافق أو شذوذ الإشارات بالنسبة  للكلام المنطوق .
5- قراءة الكتل الإشارية التي يرسلها المتفرس نفسه .
6- التغذية المرتدة وذلك بتعديل المتفرس سلوكه حسب ما يستقبله من إشارات ، وملاحظة التغير في رد فعل الشخص أو المجموعة المقابلة .
ويتم التمرين في دراسة الإشارات باستعمال العين والعقل في أي مكان يجتمع فيه الناس بعضهم مع بعض : في العمل وفي الحفلات وفي الشارع وغيرها .
والحق أن الفراسة الحديثة بدراسة الإشارات فراسة صائبة – وما تقدم عرض مجمل لها – ولهذه الفراسة منافع كثيرة في كل مجالات الحياة فبها يستطيع المرء أن يعرف دواخل النفوس ، ويستمتع بكشف بواطنها ، ويحدد شخصيات الناس التي تتأثر بالوراثة والبيئة فيستفيد من هذه الفراسة القضاة ورجال الشرطة ورجال الأعمال والمعلمون وأرباب الأسر وكل فرد في المجتمع .
وهذه الفراسة لا تقتصر على المظاهر الجسمانية التي قد تحددها مجرد الأصول الوراثية بل تتعمق في المشاعر والنفوس من خلال اللغة الصامتة ( لغة الإشارات ) .
ومن أحسن الكتب العربية المؤلفة في الفراسة الحديثة " الفراسة طريقك إلى النجاح " للدكتور عز الدين محمد نجيب . وقد استعان المؤلف بالقرآن الكريم وبعض الكتب العربية بالإضافة إلى عدد من الكتب الأجنبية التي أسست لهذه الفراسة .

وإذا شئنا أن نوجز ما سبق من مراحل تطور الفراسة فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة مراحل :
1- فراسة على أساس جسماني محض تعتمد على ملامح أعضاء الجسم أو تعتمد على نتوءات الجمجمة .
2- فراسة على أساس تأثير هذه الانفعالات النفسية على المظاهر الجسمانية .
3- فراسة على أساس إشارات الجسم وحركاته المتنوعة وهذه هي الفراسة العملية الحديثة .


وإذا أردنا أن نقارن بين هذه الفراسة الحديثة والفراسة القديمة الشهيرة التي تعتمد على قراءة ملامح أعضاء الجسم فإننا نلاحظ أن الفراسة القديمة هي أحكام مسبقة ثابتة تعتمد على أساس ملامح جسمية فصاحب الأنف الطويل مثلا شخصيته كذا وصاحب الأنف القصير شخصية كذا ونحو ذلك . بل بولغ في ذلك حتى أن قسيسا اسمه " لافاتر " في القرن التاسع عشر نشر كتابا فيه رسم لصور وتحت كل صورة تعليقه عن شخصية الصورة المرسومة فصاحب تلك الصورة غبي ومغرور وصاحب الصورة الأخرى أمين ومفكر ولكنه مشدود الأعصاب وهكذا والحق أن بعض هذه الرسوم تصيب لها أمثلة واقعية ولكن أصحاب الفراسة الحديثة يعترضون على تلك الفراسة بأن ملامح الوجة وشكل الجسم يعتمد أساسا على عوامل وراثية بينما الشخصية الإنسانية تتأثر بعوامل كثيرة كالبيئة والظروف المحيطة وأما الفراسة الحديثة فهي تكشف الشخصية الإنسانية معتمدة على الإشارات الحسية فهي طريقة واقعية عملية .
كما يمكن انتقاد الفراسة القديمة بأن ملامح الجسم ليست قطعية في تحديد الشخصية فما الذي يلزم أن طويل الأذنين مثلا يشبه بالحمار فلماذا لا يشبه بالأرنب مثلا ؟ وهكذا فإن الملامح الجسمية ليست قطعية الدلالة على الشخصية . ومع هذا فإن التوسط يقضي بأن الفراسة القديمة ينبغي الانتفاع منها فهي تفيد بالتعرف على بعض من أصل الشخصية قبل تأثير الظروف البيئية . وملامح الجسم وإن كانت ليست قاطعة في تحديد الشخصية إلا أنها علامات أثبتت بالاستقراء إشاراتها إلى الشخصية وتبقى الفراسة الحديثة القائمة على الإشارات فراسة واقعية لا غبار عليها ولكن ينبغي إتقان التعامل معها ...
وختاما نسأل الله أن يهبنا الفراسة فراسة الإلهام والنظر بنور الإيمان ، وفراسة التعلم بمعرفة القواعد والأصول لكشف بواطن الإنسان .

مراجع عن الفراسة:
1- مدارج السالكين/ لابن القيم .
2- الفراسة طريقك إلى النجاح / د . عز الدين محمد نجيب .
3- الفراسة /للفخر الرازي .
4- الفراسة عند العرب/يوسف مراد
5- فراسة المؤمن/إبراهيم الحازمي










                الترادف في اللغة ...
كثير من الكلمات تقاربت معانيها أو تطابقت وأشكل الفرق بينها ، وهذه ظاهرة لغوية شائعة وهو ما يعرف بالترادف في اللغة ، ولكن ما هي حقيقة الترادف في اللغة وهل هو موجود حقا في اللغة ؟ .
 أما ما هي حقيقة الترادف ؟ فالترادف في الاصطلاح – كما عرفه الرازي وهذا أحسن التعاريف – أنه ( الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد )
وخرج بهذا التعريف ما كان حدا للشيء أو تعريفا له فإنه لا يعد ترادفا وإن طابق المعنى لأن الحد ( أو التعريف ) جملة مركبة والترادف يشترط فيه انفراد الألفاظ
وخرج أيضا بهذا التعريف ما دل على شيء واحد ولكن باعتبار مختلف مثال ذلك السيف والمهند فهما يدلان على شيء واحد إلا أنَّ الأول يدل عليه باعتبار الذات ، والثاني باعتبار الصفة .
وأخرج أيضاً – التوكيد فإن الثاني فيه تقوية الأول في حين أن الثاني في الترادف يفيد ما أفادة الأول .
وأما وجوده في اللغة فبعض العلماء أثبته ورآه سمة من سمات العربية دالةً على اتساعها في الكلام . يقول قطرب : ( إنما أوقعت العرب اللفظتين على المعنى الواحد ليدلوا على اتساعهم في الكلام ... وإن مذاهبه لا تضيق عليهم عند الخطاب والإطالة والإطناب ) . وكان الأصمعي ممن يثبت الترادف وألف كتابا في المترادفات وأسماه ( ما اختلف ألفاظه واتفقت معانيه ) وافتخر يوما أمام الرشيد بأنه يحفظ للحجر سبعين اسماً.
وممن أثبت الترادف غير ما مضى ابن سلام وابن خالويه وحمزة بن الحسن الأصفهاني وغيرهم ولهم في ذلك مؤلفات . وأما بعض العلماء فأنكر الترادف التام فالكلمات تتقارب في المعنى ولكنها لا تتطابق وممن قال بذلك ابن الأعرابي وثعلب وابن فارس وابن درستويه وهو القائل ( محال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما يظن كثير من اللغويين والنحويين ، وإنما سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة ، وعلى ما جرت به عاداتها وتعارفها ، ولم يعرف السامعون لذلك العلة فيه والفروق ، فظنوا أنها بمعنى واحد وتأولوا على العرب ) .. ا. هـ .
وممن قال بذلك أبو هلال العسكري مؤلف كتاب ( الفروق اللغوية ) أول كتاب مستقل في التفريق بين الكلمات المتقاربة ومما علل به لعدم وجود الترادف أن المعنى تؤديه كلمة واحدة تشير إليه فإذا أشير إليه بكلمة ثانية وثالثة كان ذلك تطويلاً لا نفع فيه . وقد مضى كما فعل أسلافه يفرق بين كلمات متقاربة فوفق في كثير منها واستخرج المعاني الدقاق وتكلف وتعسف في بعضها . وممن قال بهذا الرأي من إنكار الترادف الراغب الأصفهاني وغيره .
 وأما الرأي المختار الذي تلتقي عنده أقوال أكثر العلماء وإن اختلفت عباراتهم هو أن كثيرا من الكلمات التي ترى متطابقة هناك فروق بينها في أصل المعنى يتضح بعد النظر العميق وإن كان هناك معنى عام يجمع بينها مثال ذلك كلمتا الاخفاء والكتمان فالإخفاء للشيء الحسي والمعنوي والكتمان هو للشيء المعنوي فقط فهما يلتقيان في المعنى العام وهو حجب الشيء ويختلفان فيما بعد ذلك.
ولكن مع ذلك تبقى هناك كلمات التفريق بينها فيه تكلف وتعسف فهي مترادفة تماماً ويظهر سبب وجودها عند النظر في أسباب وجود الترادف وكثرته في اللغة العربية – خاصة – ومن تلك الأسباب :
1- أن الألفاظ المترادفة وضعها أكثر من واضع فكل قبيلة – مثلاً – تضع اسماً لشيء ما وبهذا تكثر الأسماء للشيء الواحد ثم تختلط الأسماء وينسى من وضعها .
2- اندساس كثير من الكلمات الأعجمية والمولدة في العربية كالخمر وهي كلمة عربية والاسفنط والخندريس من أصل يوناني للشراب المسكر . واللغة العربية مرت بمراحل تاريخية طويلة فلا عجب أن تدخلها تسميات وتنشأ تسميات ونحو ذلك .
3- جريان صفة من الصفات على ألسنة المتكلمين على مسمى معين ، ثم تشيع وتنوب عن الأسم .. كـ ( الأدهم ) في وصف الخيل و كـ ( الفيصل ) وصفا للسيف لأنه يفصل الأعضاء . ويروى أن ابن خالوية قال في مجلس سيف الدولة ( أحفظ خمسين اسماً للسيف ) فقال       أبو علي الفارسي: ما أحفظ له إلا اسماً واحداً هو السيف. فقال ابن خالويه:فأين المهند والصارم وكذا وكذا. فقال أبو علي: هذه صفات وكأن الشيخ لا يفرق بين الاسم والصفة .
4- التطور الصوتي ومثال ذلك هلبت السماء أي أمطرت مطراً متتابعاً وألبت فهي بمعناها ولكن اختلف الحرف الأول وهذا يعني إبدالاً حرفياً لغرض صوتي . ومثل كلمتي جذب وجبذ .
5- تخصيص العام ومثاله البعير فقد استعمل مرادفاً للجمل وهو أصلاً يطلق على الجمل والناقة .
6- المجاز مثال ذلك الرحمة اشتقت من الرحم ( موضع الولد ) لأن من مروا بالرحم الواحد يتعاطفون ويرأف بعضهم على بعض ثم شاع ذلك المعنى فنشأ الترادف بين الرحمة وبين الرأفة .
7- أن يوضع للشيء أكثر من اسم أو يعبر عن المعنى بأكثر من لفظ مع عدم اختلاف الواضع ولكن من باب التوسع في اللغة وهذا أمر لا عجب أن يكون في اللغة .
8- شدة العناية بالإيقاع اللفظي فالعربي قد يضحى بالفارق في المعنى لأجل ضرورة اللفظ ولتنسيق القوافي في الشعر ، والأسجاع ونحو ذلك في النثر ، ومع كترة الاستعمال تضيع الفوارق الأصلية في المعنى .

وختاماً: فإن سعة مفردات اللغة وكثرة مترادفاتها هو من عظمة اللغة وهو مساعد على قوة الإبداع فيها ولهذا نلحظ في لغتنا العربية الخالدة هذا التوسع الكبير.
____________________
مراجع حول الترادف في اللغة:
1- ( الفروق اللغوية ) لأبي هلال العسكري .
2- ( الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى ) للرماني تحقيق فتح الله المصري .
3- (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد ) لليازجي
4- (الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق):لمحمد نور الدين المنجد


تعريف أدبي بكتاب " كليلة ودمنة "
هذا الكتاب الشهير من أقدم الكتب القصصية في العالم إذ يرجع عهده إلى القرن الأول قبل الميلاد ، ويأتي هذا الكتاب في مقدمة الروائع العالمية إذ نقل إلى العربية وعنها ترجم إلى جميع لغات العالم الحية وأثره ظاهر في جميع الآداب العالمية ...
ومؤلف هذا الكتاب كما يرى الأكثرون هو الفيلسوف الهندي " بيدبا " وقد ألفه لملك من ملوك الهند اسمه :" دبشليم " ...
وقد نقل الكتاب من الفارسية ( الفهلوية ) إلى العربية:عبدالله بن المقفع ، وعن هذه الترجمة نقلت جميع الترجمات الأخرى .
وقد كان ابن المقفع بارعاًَ بالفارسية باعتبار أنه فارسي الأصل ، حاذقاً بالعربية على علمٍ باليونانية مما جعله يبرع في الترجمة ويحلق في البلاغة ...
ويخطئ من يظن أن ابن المقفع اعتمد على الترجمة الحرفية ولكنه في الحقيقة صاغ الكتاب صياغةً أخرى تليق بأعظم اللغات وهي العربية، وحلاه بالبيان العربي ... حتى أنك تستطيع أن ترى في الكتاب الأثر الإسلامي من خلال عبارات وجمل تستطيع أن تعيدها إلى أصلها من القرآن الكريم والحديث الشريف ... بل إن هناك أبوابا ما عرفت إلا بعد الترجمة العربية ...
وهذا الكتاب سفر فريد وكنز من كنوز المعرفة فهو مزيج من الحكمة والعلم والسياسة والتربية والأخلاق والفلسفة ... لذا يقول الشيخ إبراهيم اليازجي عنه : " إنه معدود من كنوز الحكمة الشرقية بل الحكمة الآدمية التي لم يجتمع منها في الكتب ما اجتمع فيه على صغر حجمه وقلة جرمه " .
وإن هناك مقاطع من هذا الكتاب قد ترسخت في أعماق كل واحد منا من غير أن نعرف أنها منه وذلك لجهلنا بمواطن الحكمة وكنوز المعرفة ...
من هذه المقاطع على سبيل المثال قصة الحمامة المطوقة ،وقصة القرد الذي قلد النجار وهي المعروفة بـ " التقليد الاعمى " ،وقصة الحمامة والثعلب ومالك الحزين وغيرها الكثير.
وقد وضع هذا الكتاب على أفواه البهائم والطير فجمع حكمةً ولهواً فاختاره الحكماء لحكمته والسفهاء للهوه .
وفي ذلك يقول ابن المقفع : " يجب على قارئ هذا الكتاب أن يديم النظر فيه من غير ضجر ، ويلتمس جواهر معانيه ولا يظن أن نتيجته الإخبار عن حيلة بهيمتين ، أو محاورة سبع لثور ، فينصرف بذلك عن الغرض المقصود "
                   والحمد لله رب العالمين
                           
          المحتويات
المقدمة                           2

صفات طالب العلم                3

النقد مكانته وضوابطه            8

لمحةمختصرة عن الكتب الفقهية     23


الفراسة                         27

الترادف في اللغة                   38

تعريف أدبي بكتاب"كليلة ودمنة"         42  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire