lundi 18 mars 2013

كتاب الصلاة



الصلاة لغةً:
الدعاء بخير. قال تعالى: (وصل عليهم)، أي أدع لهم واستغفر لهم.
الصلاة شرعاً:
أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
وهي ثابتة في الكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين).
ومن السنة: حديث معاذ رضي الله عنه، فيه: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) متفق عليه.
وقد أجمع المسلمون على فرضيتها بلا خلاف بينهم، واتفقوا على كفر من تركها جحودا، واختلفوا فيمن تركها تهاونا وكسلا.

باب المواقيت

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس" رواه مسلم وله من حديث بريدة في العصر: "والشمس بيضاء نقية" ومن حديث أبي موسى: "والشمس مرتفعة".
مفردات الحديث:
زالت الشمس: مالت عن وسط السماء إلى جانب الغروب.
تصفر الشمس: تكون صفراء عند قربها من الغروب والصفرة لون دون الحمرة.
الشفق: المراد به هنا الشفق الأحمر الذي هو بقية شعاع الشمس الغاربة.
نصف الليل الأوسط: هو نصف الليل فقد ذهب الثلث الأول ونصف الثلث الأوسط، فإن الأوسط صفة للنصف والمراد به الأول وإنما عبر عنه بالأوسط لأن الليل إذا قسم نصفين ينتهي النصف الأول إلى وسط الليل.
والشمس نقية: بيضاء صافية لم يخالطها شيء من الصفرة، والجملة إسمية وقعت موقع الحال.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          فيه بيان الأوقات التي عينها الله تعالى لأداء الصلوات الخمس المكتوبة.
(2)     إن الصلوات الخمس لا تصح إلا في هذه الأوقات المحددة لقوله تعالى: (فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا).
ولما رواه أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوقت ما بين هذين".
ولما روى البخاري عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فاتته صلاة العصر حبط عمله".
(3)     إن وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء طوله بعد الظل الذي زالت عليه الشمس ثم يدخل وقت العصر من غير فصل بينهما.
(4)     إن وقت صلاة العصر من انتهاء وقت الظهر ويمتد الوقت المختار مادامت الشمس بيضاء نقية. فإذا اصفرت دخل وقت الضرورة إلى الغروب.
(5)     إن وقت صلاة المغرب من سقوط كل قرص الشمس غائبة إلى أن يغيب الشفق الأحمر ثم يدخل وقت العشاء بدون فصل بينهما.
(6)     إن وقت صلاة العشاء من غيبة الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وجمهور العلماء على أنه وقتها المختار، وأما وقت الأداء فهو ممتد إلى طلوع الفجر الثاني، وقال بعضهم إن وقتها ينتهي إلى نصف الليل وهو أقوى من حيث الدليل.
(7)          إن وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الثاني حتى تطلع الشمس.
(8)          اختلف العلماء في نهاية الوقت المختار للعصر على قولين:
القول الأول: فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أنه ينتهي بمصير الظل مثليه بعد فيء الزوال ودليلهم ما رواه أحمد والنسائي والترمذي أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم قال: "الصلاة ما بين هذين الوقتين".
القول الثاني: الرواية الأخرى عن الإمام أحمد أن وقت صلاة العصر يمتد إلى اصفرار الشمس. لما روى مسلم عن عبدالله بن عمر "وقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس".
(9)          اختلف العلماء في نهاية الوقت المختار من وقت صلاة العشاء على قولين:
القول الأول: فذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه أنه ينتهي بثلث الليل الأول وهو الجديد من مذهب الإمام الشافعي لما في الصحيح عن عائشة قالت: كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل.
القول الثاني: ذهب الإمام أبو حنيفة إلى امتداد الوقت المختار إلى نصف الليل وهو أحد القولين في مذهب الشافعي والرواية الأخرى في مذهب أحمد لما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء إلى نصف الليل. رواه البخاري.
وذهب جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى أنه بعد وقت الاختيار للعشاء يدخل وقت الضرورة ويمتد حتى طلوع الفجر.
ويحرم إيقاع الصلاة فيه عند بعضهم ومنهم الحنابلة، إلا أنها أداء ليست قضاء، ودليلهم حديث أبي قتادة في صحيح مسلم، فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر فقد خصها الإجماع.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" متفق عليه، ولمسلم عن عائشة رضي الله عنها نحوه، وقال: "سجدة" بدل ركعة، ثم قال: "والسجدة إنما هي الركعة".
مفردات الحديث:
من: شرطية شرطها (أدرك) الأولى، وجوابها (أدرك) الثانية، والفاء جاءت لتربط الجواب بالشرط.
سجدة: معناها الركعة بركوعها وسجودها.
فقد أدرك الصبح: أي أدرك صلاة الصبح أداء.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          الحديث يدل على امتداد وقت الصبح إلى طلوع الشمس.
(2)          ويدل على امتداد وقت العصر إلى غروب الشمس.
(3)     يدل على أن إدراك ركعة من صلاة الصبح قبل طلوع الشمس يعتبر إدراكا للصلاة في وقتها فهي أداء لا قضاء.
(4)          وأن إدراك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس إدراك للصلاة في وقتها أداء لا قضاء.
فإدراك ركعة من الصلاة في الوقت يسري على الصلاة كلها فتكون كلها أداء.
(5)     تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس لايجوز لأن هذا وقت ضرورة نهي عن الصلاة فيه، فقد روى مسلم من حديث عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا منها: (وحين تنتصف الشمس للغروب حتى تغرب).
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس بيضاء نقية مرتفعة.
(6)     جاء في بعض الروايات ( من أدرك ركعة ) – وفي بعضها سجدة بدل ركعة – وليس المراد نفس الركوع أو نفس السجود وإنما المراد ركعة كاملة بأعمالها وأقوالها إلا أنه عبر عن الكل باسم البعض.
(7)     أن الوقت يدرك بتكبيرة الإحرام فيه، وقيل لا يدرك إلا بإدراك ركعة كما يدل عليه هذا الحديث، وهو عام في جميع الإدراكات لا تكون إلا بركعة.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" متفق عليه. ولفظ مسلم: " لا صلاة بعد صلاة الفجر"، وله عن عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب"، والحكم الثاني عند الشافعي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وزاد – "إلا يوم الجمعة"، وكذا لأبي داود عن أبي قتادة نحوه.
درجة الحديث:
الحديث صحيح في الصحيحين، أما زيادة الشافعي وزيادة أبي داود ضعيفتان؛ لوجود رواه ضعاف.
مفردات الحديث:
نُقبر: أي ندفن فيها الموتى.
الشمس بازغة: بزغت الشمس أي ابتدأت في الطلوع.
حين يقوم قائم الظهيرة: أي حين ينتهي ارتفاع الشمس في وسط السماء ويكون ظل الشيء قائما على ذلك الشيء فلا يميل عنه نحو المشرق ولا المغرب.
حين تزول: حين تميل عن وسط السماء نحو المغرب.
تتضيف الشمس للغروب: تميل نحو الغروب.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          نفي صحة الصلاة بعد صلاة الصبح؛ لأنه دخل وقت النهي الذي لاتصح فيه الصلاة.
(2)          نفي صحة الصلاة بعد صلاة العصر؛ لأنه دخل وقت النهي الذي لاتصح الصلاة فيه.
(3)     رواية مسلم "لا صلاة بعد صلاة الفجر" أزالت الشك الذي جاء في رواية "لا صلاة بعد الصبح" والذي فيه احتمال إرادة طلوع الصبح أو إرادة فعل الصلاة.
(4)          الساعات الثلاث التي يُنهى فيها عن الصلاة وعن دفن الموتى هي:
أ   –    من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وتزول حمرتها.
ب -    حين ينتهي ارتفاع الشمس حتى تزول.
ج -     حين تميل إلى الغروب حتى يتم غروبها.
(5)          أوقات النهي بالبسط:
أ   –    من صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.
ب -    من طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح.
ج -     عند قيام الشمس حال الاستواء حتى تزول.
د  -     من صلاة العصر إلى اصفرار الشمس.
هـ -     من الاصفرار حتى يتم الغروب.
(6)     أجمع العلماء على تحريم الصلوات النوافل المطلقة وأنها لاتصح ولا تنعقد في أوقات النهي الخمسة المتقدم ذكرها.
واختلفوا في جواز الصلوات ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء وصلاة الكسوف على قولين:
القول الأول: ذهب الجمهور إلى عدم جواز نفل الصلاة في أوقات النهي مطلقا سواء أكان من ذوات الأسباب أو غيرها لعموم أدلة النهي.
القول الثاني: ذهب الإمام الشافعي إلى جواز نفل ذوات الأسباب، وهو رواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بالأحاديث الدالة على استحباب الصلاة ذات السبب على وجه العموم.
(7)          اختلف العلماء هل يبدأ النهي عن الصلاة بطلوع الفجر أم من صلاة الفجر على قولين:
القول الأول: ذهب الجمهور إلى أن النهي يبدأ بطلوع الفجر، مستدلين بما في السنن الأربع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".
القول الثاني: ذهب الشافعية: إلى أن النهي يبتدئ من صلاة الفجر، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن أبي سعيد "لاصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" وغيره من الأحاديث.
(8)     الحكمة في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات هي البعد عن مشابهة المشركين الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، فالإسلام يريد من أبنائه الوحدة في عبادتهم وعاداتهم وأحوالهم ويريد منهم الاستقلال فلا يحتذون غيرهم بل تكون لهم شخصيتهم الإسلامية المستقلة.


وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان.
مفردات الحديث:
عبد مناف: بن قصي هو الأب الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم، وذريته هم أعز بيت في قريش.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          تحريم منع المتعبدين في المسجد الحرام في أي ساعة من ساعات الليل والنهار.
(2)     ظاهر الحديث: جواز الصلاة في المسجد الحرام في أية ساعة من ساعات الليل والنهار سواء كان وقت نهي أو لا.
وقال بعضهم: إن المراد به ركعتا الطواف بدليل قرن الصلاة بالطواف، وقال بعضهم: إن الحديث لا يعطي شيئا من هذين المعنيين، وإنما هو خطاب موجه إلى ولاة البيت بأن لا يمنعوا منه أحد في أي وقت، أما مسألة "أن الوقت للصلاة أو عدمه" فأمر مرجعه إلى نصوص الشرع.
(3)          إقرار ولاية البيت في يد من ولاه الله تعالى أمر المسلمين في مكة المكرمة وما حولها.
(4)     الحديث دليل على صحة قول من يرى أن الصلوات ذوات الأسباب تصلى في أوقات النهي لأنه خصص أحاديث النهي العامة.

باب الأذان والإقامة

الأذان: من أذن يؤذن تأذينا وأذانا، وهو لغة الإعلام. قال تعالى: (وأذان من الله ورسوله) أي إعلام منهما إلى الناس.

وشرعاً: إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة.

والإقامة: شرعا إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص.

وهما مشروعان بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة)، وفيما رواه مسلم وغيره من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة"، قال ابن رشد: والأمر بالأذان منقول بالتواتر والعلم به حاصل ضرورة وأجمعت الأمة على مشروعيته.

عن عبدالله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه قال: "طاف بي وأنا نائم رجل فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر فذكر الأذان بتربيع التكبير بغير ترجيع والإقامة فرادى إلا قد قامت الصلاة قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنها لرؤيا حق" الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وزاد أحمد في آخره قصة قول بلال رضي الله عنه في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم. ولابن خزيمة عن أنس رضي الله عنه: ومن السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح. قال: الصلاة خير من النوم.
مفردات الحديث:
طاف بي: ألم بي وقرب حولي.
بتربيع التكبير: تكريره أربع مرات.
الإقامة فرادى: لا تكرير في شيء من ألفاظها إلا – قد قامت الصلاة – فإنها المقصودة من الإقامة المشروعة، وأما المراد من الإقامة الثانية فلفظ (قد قامت الصلاة).
ما يؤخذ من الحديث:
1 -               دل الحديث على مشروعية الأذان لدعاء الغائبين إلى الصلاة في المساجد.
2 -       مشروعية الشفع في الأذان بأن يأتي بجمله مثنى أو رباع كالتكبير في أوله ويكون بخمس عشرة جملة كلها مشفوعة إلا الجملة الأخيرة فهذا أذان عبدالله بن زيد المختار.
3 -       مشروعية إفراد الإقامة إلا التكبير في أولها و (قد قامت الصلاة) فهي مشفوعة وظاهر الحديث إفراد التكبير في أوله ولكن جمهور العلماء على أن التكبير في أولها مرتين.
4 -               استحباب أن يقول المؤذن في صلاة الصبح بعد (حي على الفلاح) "الصلاة خير من النوم" مرتين.
5 -               مناسبة هذه الجملة لهذا الوقت؛ لأن الناس غالبا في منامهم فيحتاجون إلى هذا التذكير.
6 -       إجابة المؤذن بعد قوله "الصلاة خير من النوم" قيل: أن يقول السامع المجيب "صدقت وبررت"، وقال بعض العلماء أنه لم يرد فيها شيء فالأفضل بقاؤها على عموم قوله صلى الله عليه وسلم "فقولوا مثل ما يقول المؤذن" وبعضهم يقول: إن المناسب فيها أن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن الصلاة خير من النوم شبه بحي على الصلاة.
7 -       الحكمة في تكرير الأذان وإفراد الإقامة هي أن الأذان لإعلام الغائبين فاحتيج إلى التكرير ورفع الصوت وأن يكون على مرتفع بخلاف الإقامة فإنها لإعلان الحاضرين، وإنما كررت "قد قامت الصلاة" لأنها مقصود الإقامة.

وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: "رأيت بلالاً يؤذن وأتتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه" رواه أحمد والترمذي وصححه، ولابن ماجه "وجعل إصبعيه في أذنيه"، ولأبي داود "لوى عنقه لما بلغ حي على الصلاة يميناً وشمالاً ولم يستدر" وأصله في الصحيحين.
مفردات الحديث:
فاه: هو الفم جمعه أفواه.
هاهنا وهاهنا: هنا اسم إشارة للقريب – وها للتنبيه – تدخل على أربعة مواضع أحدها الإشارة غير المختصة بالبعيد كهذا الحديث.
إصبعاه: مجاز عن الأنملة من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -     مشروعية الأذان وأنه من شعائر الدين الظاهرة وأن يضع المؤذن أعلى سبابته في أذنيه لأنه أرفع لصوته، وإذا رآه البعيد علم أنه يؤذن.
2 -     استحباب استقبال القبلة في الأذان وأن لا ينصرف عنها بجملته إلى الجهتين إلا في الحيعلتين، وفي رواية عن أحمد وغيره أنه لا يدور إلا إذا كان على منارة قصد الاستماع.
3 -     الصفة أن يلتفت، أي يلوي عنقه يمينا عند قوله "حي على الصلاة" ويلوي عنقه شمالاً عند قوله "حي على الفلاح".
لأن هاتين الجملتين هما اللتان فيهما التصريح بمناداة الناس ليحضروا للصلاة وما عداها من جمل الأذان ذكر.
أما جسده فيبقى مستقبل القبلة لا يلتفت به ولا يستدير به القبلة.
4 -     استحباب إبلاغ الأذان للناس وإسماعهم إياه بأي وسيلة مباحة كمكبرات الصوت الحديثة الآن فهي مستحبة لما فيها من الفائدة الكبيرة.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" متفق عليه، وللبخاري عن معاوية رضي الله عنه مثله. ولمسلم عن عمر رضي الله عنه في فضل القول كما يقول المؤذن كلمة كلمة سوى الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
مفردات الحديث:
الحيعلتين: تثنية حيعلة وهي كلمة منحوتة من (حي على الصلاة) و (حي على الفلاح) ونحت الكلمة أخذها وتركيبها من كلمتين أو كلمات كما يقال بسمل من (بسم الله) وحمدل من (الحمد لله) وهكذا.
مثل ما يقول المؤذن: أي قولوا قولاً مثل ما يقول المؤذن وكلمة – ما – مصدرية والمثل هو النظير.
لا حول ولا قوة إلا بالله: يجوز في إعرابها خمسة أوجه، أفضلها بلا تنوين، ومعناها لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وهذا المعنى هو المناسب في هذا المقام، وتسمى الحوقلة.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -             استحباب إجابة المؤذن بمثل ما يقول في جمل الأذان سوى الحيعلتين.
2 -             الإجابة بالحيعلتين تكون بلا حول ولا قوة إلا بالله.
3 -      الإجابة بهذه الطريقة في غاية الحسن والمناسبة فألفاظ الأذان بالذكر تكون من السامع المجيب بالذكر مثل المؤذن، وأما بالنداء إلى حضور الصلاة بحي على الصلاة وحي على الفلاح فالمناسب التبرئ من الحول والقوة على ذلك والاستعانة بالله تعالى على المهمة التي يدعو إليها المؤذن وينادي لها.
4 -      حديث أبي سعيد فيه القول مثل قول المؤذن في جميع جمل الأذان وحديث عمر أن السامع يقول عند حي على الصلاة وحي على الفلاح: لا حول ولا قوة إلا بالله. فمن ذهب مذهب الترجيح أخذ بعموم حديث أبي سعيد؛ لأنه أصح، ومن ذهب مذهب الجمع حمل العام على الخاص وعمل بالحديثين، وهو مذهب جمهور العلماء ومنهم المالكية والحنابلة.
5 -      فضل الله تعالى ورحمته على عباده فالأذان عبادة جليلة ولن يدركها ويدرك فضلها كل أحد فعوض من لم يؤذن بالإجابة ليحصل على أجر الإجابة.
6 -      قوله كلمة كلمة فيه استحباب المتابعة فيقول المجيب الجملة بعد المؤذن لا معه فقد روى النسائي عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم: "كان يقول كما يقول المؤذن حين يسكت".
7 -      جمهور العلماء على أن إجابة المؤذن مستحبة وليست بواجبة لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال – على الفطرة – فلما تشهد قال – خرجت من النار – فلو كانت واجبة لقال مثل ما يقول. وذهب الحنفية والظاهرية إلى أنها واجبة.



وعن زياد بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن أذن فهو يقيم".
درجة الحديث:
الحديث ضعيف. رواه الترمذي، قال في التلخيص: وقد ضعفه ابن القطان وغيره.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -     الحديث دليل على أن الإقامة حق لمن أذن. قال الترمذي: العمل على هذه عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم.
2 -           جمهور العلماء يجوزون إقامة من لم يؤذن لعدم نهوض الدليل على المنع.
3 -     استحقاق الأشياء العامة للناس بالشروع فيها والأخذ بأسباب استحقاقها، فالأذان هو النداء الأول، والإقامة هي النداء الثاني فاستحق الثاني لقيامه بالأول.

باب شروط الصلاة

الشروط جمع شرط وهو لغة: العلامة سمي شرطاً لأنه علامة على المشروط.
قال تعالى عن علامات الساعة: (فقد جاء أشراطها) أي علاماتها.
واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، وشروط الصلاة هي ما يتوقف عليه صحتها إلا بعذر.
وقد أجمع الأئمة على أن للصلاة شرائط لا تصح إلا بها إن لم يكن عذر وهي التي تقدمها. وشروط الصلاة ليست منها، وإنما تجب لها قبلها إلا النية فالأفضل مقارنتها للتحريمة، وتستمر الشروط حتى نهاية الصلاة، وبهذا فارقت الأركان التي تنتهي شيئا فشيئاً.
وشروط الصلاة تسعة: الإسلام، والتمييز، والعقل، وهي شروط لوجود كل عبادة بدنية عدا الحج والعمرة فيصحان من الصغير ولو دون التمييز، والباقي من الشروط ستة هي:
1 – دخول الوقت.
2 – الطهارة من الحدث.
3 - الطهارة من النجاسة في البدن والثوب والبقعة.
4 – ستر العورة.
5 – استقبال القبلة.
6 – النية.

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن خزيمة.
مفردات الحديث:
حائض: المراد بالحائض هنا المرأة البالغة، فإنها التي يأتيها الحيض، ولم يرد بالغاً قد حاضت ولكنه أراد جنس النساء.
بخمار: كساء تخمر به المرأة رأسها وعنقها أي تغطيه به.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -     الحائض لا تصلي ولا تصح منها صلاة حال حيضها، وإنما المراد بقوله من الحائض يعني المكلفة التي بلغت سن الحيض.
2 -     ليس المراد من الحديث البالغة بالحيض فقط، وإنما المراد البالغة بأية علامة من علامات البلوغ وهي الحيض، أو نزول المني أو نبات شعر العانة أو بلوغ خمسة عشر عاماً، ولكنه عبر بما يخص النساء وهو الحيض.
3 -           إن ابتداء الحيض للأنثى من علامات بلوغها ولو أن سنها أقل من خمسة عشر عاماً.
4 -           إن الجارية إذا بلغت عليها من التكاليف الشرعية ما على البالغات لأنها أصبحت في حكمهن.
5 -           إنه يجب على المرأة أن تستر في صلاتها فيما تستر من بدنها رأسها وعنقها بخمار يغطي ذلك كله.
6 -           إن ستر العورة في الصلاة شرط لصحتها.
7 -     مفهوم الحديث أن البنت التي دون البلوغ تصح صلاتها ولو لم تغط رأسها بخمار فعورتها أخف من عورة البالغة.

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به يعني في الصلاة". ولمسلم: "فخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا فأتزر به". متفق عليه، ولهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء".
مفردات الحديث:
التحف به: أي اتزر بأحد طرفي الثوب الواسع.
وإن كان ضيقا: أي لم يكن واسعاً.
عاتقه: العاتق هو ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء، ويذكر ويؤنث والجمع عواتق.
فخالف بين طرفيه: أي خالف بين طرفي الثوب، والمخالفة بين طرفيه تكون بإلقاء طرفه الأيمن على عاتقه الأيسر، وطرفه الأيسر على عاتقه الأيمن ليستر بذلك صدره. ولكن وسط الثوب على ظهره ليستر أعلى البدن، هذا إذا كان الثوب واسعاً، أما إذا كان ضيقا فيأتزر به ليستر به عورة الصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -           الثوب المراد به الإزار الذي يكسو أسفل جسم الإنسان أو الرداء الذي يكسو أعلاه. وليس المراد به القميص، فإن القميص هو قائم مقام الثوبين؛ لأنه مغط لأعلى البدن وأسفله.
2 -     إن كان الثوب واسعاً فعلى المصلي أن يلتحف به فيغطي به من المنكبين إلى ما تحب الركبتين؛ لأنه وجد سترة كاملة لما يجب ويستحب أن يستره في الصلاة وهو العورة.
3 -     إن كان الثوب ضيقاً لا يكفي كل البدن فليستر به العورة الواجب سترها، وهي للرجل من السرة إلى الركبة، فيجعله إزاراً له ولو كشف عن المنكبين وأعلى الجسم.
4 -     استحباب ستر أحد العاتقين في الصلاة لمن وجد سترة كافية له وللعورة، فإن لم تكف إلا العورة فقط قدم سترها على ستر العاتقين أو أحدهما؛ لأنها أهم.
5 -     الحديث يدل على أن المسلم يتقي الله ما استطاع، فما يقدر على القيام به من الواجبات يقوم به، وما عجز عنه سقط عنه والله غفور رحيم.
6 -     يدل الحديث على القاعدة الشرعية (تقديم الأهم فالأهم) فإن التكاليف إذا تزاحمت ولم يمكن القيام بها كلها قدم أهمها.
7 -           قال النووي لا خلاف في جواز الصلاة في الثوب الواحد وأجمعوا على أن الصلاة في الثوبين أفضل.
8 -           أجمع العلماء على مشروعية ستر الرجل عاتقه في الصلاة واختلفوا في الوجوب على قولين:
القول الأول: ذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه إلى وجوب ستر أحد العاتقين في الصلاة المفروضة إذا كان قادرا على ذلك لحديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء".
القول الثاني: ذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وأنه لا يجب إلا ستر العورة، والعاتقان ليسا من العورة أشبها بقية البدن.
وقد حملوا النهي في الحديث على التنزيه وبأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة.


وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها" أخرجه أبو داود وصحح الأئمة وقفه.
مفردات الحديث:
درع: المراد به هنا قميص المرأة، فلذا جاء مطلقا، فلو أريد به درع الحرب لقيده بالحديد، كما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم "رهن درعاً من حديد" قال ابن فارس درع الحديد مؤنثة ودرع المرأة قميصها مذكر.
سابغاً: أي واسعاً ساتراً لظهور قدميها.
إزار: الإزار ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن (يذكر ويؤنث).
ما يؤخذ من الحديث:
الدرع هو قميص المرأة الذي يستر جسمها من عاتقها حتى يغطي قدميها، أما الخمار فيغطي رأسها وعنقها.
إذا غطت المرأة بدرعها السابغ قدميها وغطت بخمارها الضافي رأسها وشعرها وعنقها فقد سترت عورتها في الصلاة فتصلي ولو لم يكن عليها إزار أو سروال تحت الدرع.
إن قدمي المرأة من عورتها في الصلاة فيجب سترها فإن بديا وهي قادرة على سترها لم تصح صلاتها. وقيل: القدمان ليسا عورة في الصلاة؛ لأنه حديث ضعيف.
وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة، فإذا لم يكن حولها رجال أجانب فلها كشفه وصلاتها صحيحة.
قال ابن عبدالبر: أجمعوا على أن للمرأة أن تكشف وجهها في الصلاة.
تفصيل العورة في الصلاة:
أ – عورة الرجل البالغ ومن بلغ عشر سنين والبنت المراهقة ما بين السرة والركبة.
ب – عورة الصبي من السابعة إلى العاشرة الفرجان فقط.
ج – عورة المرأة البالغة الحرة كل بدنها عدا وجهها فليس بعورة في الصلاة.


وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأشكلت علينا القبلة فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة فنزلت: "فأينما تولوا فثم وجه الله" أخرجه الترمذي وضعفه.
مفردات الحديث:
تولوا: أصلها تتولوا توجهتم في الصلاة إلى غير القبلة في حال العذر.
فثم: في موضوع نصب على الظرفية لأنها مبنية غير معربة، ومعناه البعد فإن أردت القرب قلت هنا.
وجه الله: فهناك وجه الله تعالى في أي جهة توجهتم في الاستقبال وفيه إثبات الوجه لله تعالى إثباتا يليق به تعالى.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -   إذا أشكلت جهة القبلة على المسافر وصلى ثم تبين له خطؤه فصلاته صحيحة سواء علم بالخطأ في الوقت أو بعده.
2 -   إن استقبال القبلة شرط من شرائط الصلاة لا تصح بدونه سواء أكانت الصلاة فرضا أو نفلا. لقوله تعالى: "فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره".
3 -      استقبال القبلة في الصلاة من العلم العام عند كل أحد شرعيته وأنه من شرائط صحة الصلاة.
4 -      من قرب من الكعبة بأن أمكنه معاينتها ففرضه إصابة عينها وأما من بَعُد عنها ففرضه استقبال جهتها، والبُعد هنا هو بحيث لا يقدر على المعاينة ولا على من يخبره بعلم وليس المراد مسافة قصر ولا ما دونها.
5 -   تفسير الآية الكريمة قال ابن جرير: نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا على أنحاء مختلفة فقال تعالى: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" رواه الترمذي وقواه البخاري.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -   الحديث دليل على أن الواجب على من لم يشاهد الكعبة استقبال الجهة لا العين، فالحديث يدل على أن ما بين الجهتين قبلة، وأن الجهة كافية في الاستقبال.
2 -   أما مشاهد الكعبة فقال العلماء في حكمه: وفرض من عاين الكعبة إصابة عينها بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة. وذلك كمن في المسجد الحرام أو خارجه وينظر إليها.
3 -   استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة فقد قال تعالى: "فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره"، لكن الاستقبال يسقط بأمور منها:
أولاً: العجز: إذا عجز عن استقبال القبلة لمرض أو عذر فيسقط عنه ويصلي حيث توجه، لقوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم"، ومثل المريض، من كان في الطائرة ولا يجد مكانا فيها يصلي فيه إلا كرسيه المتجه إلى غير القبلة صلى حيث اتجاهه.
ثانياً: الخائف: فإذا قاتل العدو أو هرب منه أو من سيل أو غير ذلك ووجهته إلى غير القبلة، صلى حسب ما توجه لقوله تعالى: "فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً"، والخائف سواء أكان راجلاً أو راكبا سيتوجه حيث مأمنه.
ثالثاً: النافلة في السفر: فإذا كان الإنسان سائراً راجلاً أو راكباً فإنه يصلي حيث توجه؛ لحديث عامر بن ربيعة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم "يصلي على راحلته حيث توجهت به ولم يكن يصنعه في المكتوبة"، متفق عليه.


وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه. زاد عليه البخاري "يومئ برأسه ولم يصنعه في المكتوبة". ولأبي داود من حديث أنس رضي الله عنه: وكان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجه ركابه. إسناده حسن.
مفردات الحديث:
راحلته: ما يرحل من الإبل سواء أكانت ذكرا أو أنثى تسمى راحلة والرحول والهاء فيه للمبالغة.
حيث توجهت به: أي إلى أي جهة توجهت الدابة صلى إلى القبلة أو غيرها.
المكتوبة: أي المفروضة وهي الصلوات الخمس.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -   جواز صلاة النافلة على الراحلة في السفر ولو بلا عذر، والراحلة ناقة أو غيرها فقد جاء في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حماره.
2 -      أنه لا يلزم المصلي على الراحلة صلاة نافلة استقبال القبلة، بل يتوجه حيث جهة سيره.
3 -   أنه لا يلزم الركوع والسجود بل يكفي الإيماء برأسه إشارة إلى الركوع وإلى السجود، ويكون السجود أخفض من الركوع، كما في زيادة ابن خزيمة "ولكنه يخفض السجدتين من الركعة".
4 -      إن هذا لا يجوز في الفريضة بل يجب أن يصليها مستقرا في الأرض.
5 -      ظاهر حديث أنس أنه يجب عليه الاستقبال عند تكبيرة الإحرام فإذا كبر للإحرام صلى متوجهاً جهة سيره.
6 -      هذا التسهيل والتخفيف في النوافل في النوافل ترغيباً في الإكثار منها وأنه لا يمنع من الإكثار منها أي عذر.
7 -   مثل الباخرة: السيارة والطائرة فتصح مع الإتيان بما يعتبر لها وإلا لم تصح إلا أن يخشى أن يخرج عليه الوقت وهو فيها فيصلي حسب حاله.


وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم" "نهى أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى" رواه الترمذي وضعفه.
مفردات الحديث:
المزبلة: مكان إلقاء الزبل وهو القمامة.
المجزرة: المكان الذي تجزر فيه المواشي أي تذبح أو تنحر.
المقبرة: فيها لغتان فصيحتان فتح الباء وضمها وفتح الميم لا غير.
قارعة الطريق: ما تقرعه الأقدام بالمرور، والمراد به الطرق الواسعة.
الحمام: هو المكان المعد بمائه الحميم للاغتسال، جمعه حمامات.
معاطن الإبل: واحدها عطن، وهي مبارك الإبل عند الماء وما تقيم فيه وتأوي إليه.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -     الحديث فيه النهي عن الصلاة في سبعة مواطن وعددها.
2 -   الحديث ضعيف لا تقوم به حجة على إقرار حكم شرعي فقد قال ابن عبدالبر: أجمعوا على ضعفه. وقال الحافظ: متروك.
3 -   فبناء عليه فالمواطن السبعة بعضها ثبت الني عن الصلاة فيه من طرق أخر، فهذه تكون منهي عنها ومكتسب النهي والتحريم من غير هذا الدليل، وأما التي لا يوجد لها دليل غير هذا الحديث فهي تبقى على أصل الإباحة والطهارة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مسجداً".
4 -     أما أدلة المواطن المحرمة فهي:
أ – المقبرة والحمام لحديث أبي سعيد "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، ولحديث "لاتصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" أخرجه مسلم.
ب – أعطان الإبل لما روى أحمد والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا في أعطان الإبل".
ج – الحش: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يصلين أحدكم في حش ولا في الحمام. قال ابن حزم: لا نعلم لابن عباس مخالفاً من الصحابة، والحش هو: مأوى الأرواح الخبيثة.
د – المجزرة هي موضوع نجاسة لما يراق فيها من الدماء المسفوحة النجسة ولذا تحرم فيها الصلاة.
هـ - المزبلة فهي ملقى الكناسة والقمامة والفضلات، فتحرم فيها الصلاة.
و – أما قارعة الطريق فهي الطرق العامة وأرصفتها، فالراجح منع الصلاة فيها لهذا الحديث، ولكثرة المرور فيها وانشغال القلب في المارين، وقيل بصحة الصلاة فيها، وهو مذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي فهي باقية على أصل الجواز.
ز – فوق الكعبة لهذا الحديث، والقول الثاني: جواز الصلاة عليها فرضاً أو نفلاً وهو قول جمهور أهل العلم.
5 -   المشهور من مذهب الإمام أحمد النهي عن الصلاة في المواطن السبعة ودليلهم حديث الباب، وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنها تصح الصلاة فيها إلا المقبرة ومعاطن الإبل والحش، ودليل الجمهور على طهارتها وجواز الصلاة فيها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة.
6 -   ذهب بعض العلماء إلى أن العلة في النهي عن الصلاة في معاطن الإبل وعدم صحتها فيها هي نجاستها وهي مبنية على القول بأن جميع أرواث وأبوال الحيوان نجسة سواء منها الحلال المأكول أو محرم الأكل.
وذهب بعضهم إلى أن العلة تعبدية فلا نعقل حكمتها ولا سرها وما علينا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا، والعلة والحكمة هي ما أمر به الشرع أو نهى عنه، وذلك كاف للمؤمن.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن العلة في الصلاة في معاطن الإبل هي العلة بالأمر بالوضوء من لحومها، وذلك أن الإبل لها قرناء من الشياطين تأوي معها إلى معاطنها، ولذا يعرف رعاة الإبل والذين يسوسونها بالكبرياء والتعظيم تأثرا بمعاشرتها.


وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذى أو قذراً فليمسحه وليصل فيهما". أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة.
مفردات الحديث:
أذى: الأذى يأتي بمعنى القول المكروه كقوله تعالى: "بالمن والأذى" و "ودع أذاهم"، ويأتي بمعنى القذر كقوله تعالى: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى"، والمراد هنا القذر.
قذر: مصدر قذر الشيء فهو قذر، وهو الوسخ، أذى – أو قذر: الشك من الراوي.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -          يدل الحديث على جواز الصلاة في النعلين إذا تحقق طهارتهما وأن الصلاة فيهما من السنة.
2 -          منع الدخول فيهما المسجد إذا كان فيهما أذى أو قذر أو نجاسة.
3 -     إذا أراد دخول المسجد بهما والصلاة فيهما فيجب عليه النظر إليهما. فإن رأى فيهما قذراً أو أذى مسحه بالأرض أو بغيرها ثم دخل بهما وصلى بهما إن شاء ذلك.
4 -     لو صلى جاهلاً أو ناسيا أن في بدنه أو ثوبه أو نعله نجاسة فإن صلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه فلما كان في اثناء الصلاة خلعهما بعد أن أخبره جبريل أن فيهما نجاسة، ثم بنى على ما مضى من صلاته.
5 -     احترام المساجد وتطهيرها عن الأذى والقذر لأنها موضوع عبادة فيجب أن تكون طاهرة نظيفة، قال تعالى: "وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود".
6 -     جاء في سنن أبي داود عن شداد عن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم".
وجاء في الصحيحين عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه". فالسنة في ذلك صريحة.


باب سترة المصلي

السترة: ما يستتر به كائناً ما كان. وسترة المصلي هي ما يجعله أمامه لمنع المرور بين يديه.
فالمصلي واقف بين يدي ربه يناجيه ويناديه، فإذا مر بين يديه في هذه الحالة مار قطع هذه المناجاة وشوش هذا الاتصال.
لذا عظم ذنب فاعله وتعرض لعذاب لو يعلمه لتمنى أن يقف أربعين سنة ولا يمر بين المصلي. وهذا وعيد شديد.
ولذا أبيح للمصلي قتال هذا المعتدي ودفع هذا المفسد وسماه النبي صلى الله عليه وسلم شيطاناً.
ووضع السترة سنة وليست واجبة عند جمهور الفقهاء؛ لأن الأمر باتخاذها للندب، إذ لا يلزم من عدمها بطلان الصلاة، ولأن السلف الصالح لم يلتزموا وضعها ولو كان واجباً لالتزموه.
وللسترة فوائد هامة منها:
إن اتخاذها هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية وإحياء السنة واتباعها هو الصراط المستقيم.
إنها تقي الصلاة القطع إن كان المار يقطعها، وتقيها النقص إن كان ينقصها.
إنها تحجب النظر عن الشخوص والروغان؛ لأن صاحب السترة يضع نظره دون سترته غالباً فينحصر تفكيره في معاني الصلاة.
يعطي المصلي المجال للمارين فلا يحوجهم إما إلى المرور أمامه أو الوقوف حتى ينتهي من صلاته.
تقي واضعها المار من الإثم العظيم الذي يناله.
عن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه". متفق عليه واللفظ للبخاري، ووقع في البزار من وجه آخر "أربعين خريفاً".
مفردات الحديث:
أن يقف: مصدرية، والتقدير: لو يعلم المار ماذا عليه من الإثم من مروره بين يدي المصلي لكان وقوفه أربعين خيراً من أن يمر.
خريفاً: الخريف الفصل الذي تخترف فيه الثمار. وهو أحد فصول السنة. سمي خريفاً لاجتناء الثمار فيه، والمراد هنا السنة كلها، ولكن العرب تسمي الكل بالجزء.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -          تحريم المرور بين يدي المصلي إذا لم يكن له سترة أو المرور بينه وبينها إذا كان له سترة.
2 -     يُستحب للمصلي رد المار بين يديه. وقيل: يجب لظاهر الأخبار. وأما المار فظاهر الحديث تحريم المرور، وحكى ابن حزم الإجماع على إثمه.
3 -          وجوب الابتعاد عن المرور بين يدي المصلي خشية من هذا الوعيد الشديد.
4 -     الأولى للمصلي أن يبتعد فلا يصلي في طرق الناس وفي الأمكنة التي لا بد لهم من المرور بها لئلا يعرض صلاته للنقص أو القطع ويعرض المارة للإثم أو الحرج بالوقوف.
5 -     فسرت الأربعين بالرواية الأخرى بأنها أربعون سنة، وليس المراد الحصر، فمفهوم العدد غير مراد عند كثير من الأصوليين وإنما المراد المبالغة في النهي كقوله تعالى: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم".
6 -          ظاهر الخبر أن الوعيد خاص بالمار لا بالواقف والقاعد والمضطجع. وهذا قول الجمهور.
7 -     إذا لم يكن للمصلي سترة فما مقدار ما يجب البعد عنه عند المرور؟ قالت الحنفية والمالكية يحرم من موضع قدمه إلى موضع سجوده، وعند الشافعية والحنابلة ثلاثة أذرع من قدم المصلي.
8 -     سترة الإمام هي سترة لمن خلفه من المأمومين بإجماع العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه باتخاذ سترة أخرى لهم لما في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض أهل الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد.
9 -     المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا بأس أن يصلي بمكة بل بالحرم كله إلى غير سترة، وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن المطلب بن أبي وداعة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة. [والحديث في إسناده مجهول وضعفه الألباني].
10 -   استحب العلماء الدنو من السترة بأن لا يزيد ما بين المصلي وبينها إلا قدر مكان السجود، لما روى أبو داود عن سهل بن أبي حتمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: "مثل مؤخرة الرحل" أخرجه مسلم.
مفردات الحديث:
غزوة تبوك: تبوك إحدى مدن المقاطعة الشمالية للمملكة العربية السعودية، وغزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة.
مؤخرة الرحل: هي العود الذي يكون في آخر الرحل يستند إليه الراكب، وهي نحو ثلثي الذراع.
الرحل: هو ما يوضع على ظهر البعير للركوب، ويسمى الكور.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -    مشروعية السترة للمصلي، لما تقدم من فوائدها التي تعود على صيانة الصلاة وحفظها، وعلى الابتعاد عما ينقصها، وعلى درء الإثم عن المار، وعدم التسبب فيما يشق عليه ويحرجه.
2 -        أن تكون بقدر مؤخرة الرحل في طولها وعرضها إن أمكن.
3 -        أن مشروعية السترة تكون في الحضر والسفر وفي الفضاء والبناء.


وعن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود" الحديث، وفيه: الكلب الأسود شيطان. أخرجه مسلم وله عن أبي هريرة نحوه دون الكلب، ولأبي داود والنسائي عن ابن عباس نحوه دون آخره، وقيد المرأة الحائض.
مفردات الحديث:
يقطع الصلاة: يبطلها.
الحمار: حيوان معروف، والأنثى حمارة، جمعه حمر وحمير وجمع الحمارة حمرات.
الكلب: الكلب سبع عقور، الجمع كلب وكلاب، والأنثى كلبة، وجمعها كلبات.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -         المصلي إذا لم يجعل له سترة لصلاته فإنه يفسد صلاته ويبطلها مرور واحد من ثلاثة أشياء المرأة والحمار والكلب الأسود البهيم.
2 -         فإن وضع سترة في قبلته فلا يضر مرور شيء من ورائه ولو كان واحداً من هذه الأشياء الثلاثة لأن السترة حددت مكان مصلاه وجعلت لصلاته حمى لا يضره من مر وراءها.
3 -         زيادة أبي داود والنسائي عن ابن عباس بتقييد المرأة بالحائض غير صحيحة ولو كانت هذه الزيادة صحيحة لقيدت هذه الزيادة حديث مسلم المطلق بعموم المرأة ولكن الزيادة ضعيفة فيبقى الحديث على إطلاقه.
4 -         خص الكلب الأسود من بين سائر الكلاب لأنه شيطان فإن راوي الحديث أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله فما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض فقال الكلب الأسود شيطان.
5 -                   مرور الشيطان يبطل الصلاة لأنه علة القطع في الكلب الأسود.
6 -         الشياطين أعطاهم الله القدرة على التشكيل والتكيف على الصورة التي يريدونها فيمكن حمل هذا الحديث على ظاهره وأن الشيطان يأتي بصورة هذا اللون من الكلاب ليفسد على المسلم صلاته.
7 -         استحباب وضع السترة أمام المصلي لتقي صلاته من النقص أو من البطلان فهي حصانة للصلاة وسور لها من آفات نقصها وفسادها.
8 -                   إن أعلى السترة وأفضلها هي أن تكون بقدر مؤخرة الرحل.
9 -                   الحكمة في قطع هذه الأشياء والله أعلم هي ما يأتي:
-    المرأة: موضوع فتنة وانشغال قلب بما يتنافى مكانة الصلاة ومقامها ولذا جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها".
-    فقرن المرأة مع هذين الحيوانيين ليس انتقاصاً وإنما هو لمعنى آخر ترغب المرأة أن تكون متصفة به لما فيها من الجاذبية وميل القلوب إليها ولكنه مناف للعبادة.
-    الحمار لعل له صلة بالشياطين وأنها ترغب قربه وتأتي أمكنته، ولذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً". وللحمار صوت منكر، قال تعالى: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير"، فالمصلي معرض لنهيقه المنكر الذي قد يواصله المرة بعد الأخرى حتى يسبب اختلال المصلي حوله
-    الكلب إما أن يكون هو الشيطان جاء بصورة كلب، والشيطان قمة الشر والفساد، وإما أن يكون هذا الحيوان النجس القذر الذي لا يكفي في إزالة نجاسته إلا تكرير الماء واستعمال التراب وصاحب اللون الأسود منها هو أشدها وأعتاها. فهو من الشياطين المتمردة ولذا جاء الحديث الصحيح بقتله
10 -    ذهب الجمهور إلى أن المرور بين يدي المصلي لا يبطل الصلاة ولو كان امرأة أو حماراً أو كلباً أسود لما روى أبو داود من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقطع الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم"، وحملوا الحديث على أن المراد نقص الأجر لا الإبطال، ولأن زينب بنت أبي سلمة مرت بين النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقطع صلاته. رواه أحمد وابن ماجة بإسناد حسن.
ولما روى أحمد وأبو داود عن الفضل بن العباس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في الصحراء ليس بين يديه سترة وحمار لنا وكلبه يعبثان بين يديه فما بالى بذلك. ولأن الشيطان عرض له صلى الله عليه وسلم في قبلته.
وذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن المرأة والحمار يقطعانها ويفسدانها وهو مذهب الظاهرية في الثلاثة المرأة والحمار والكلب الأسود. وفي رواية للإمام أحمد: لا يقطعها إلا الكلب الأسود.
وحجة القائلين ببطلان الصلاة من مرور الثلاثة حديث الباب، وهو ظاهر في القطع.
11 -    النساء لا يقطع مرور بعضهن صلاة بعض وهو صريح حديث أبي ذر: "بقطع صلاة الرجل المسلم" فالقطع خاص بالرجال وهو مما يقوي المعنى الذي ذكرناه عن سبب قطع المرأة صلاة الرجل..



باب الخشوع في الصلاة

الخشوع: الخشوع في الصلاة السكون فيها. وقيل: الخشوع في البدن والبصر والصوت. وقيل: هو التذلل والتواضع لله بالقلب والجوارح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى أن يصلي الرجل مختصراً" متفق عليه، واللفظ لمسلم، ومعناه أن يجعل يده على خاصرته، وفي البخاري عن عائشة أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم.
مفردات الحديث:
مختصراً: اسم فاعل من الاختصار يعني واضعاً يده على خاصرته أو يديه على خاصرته، والخاصرة من الإنسان هي ما بين الورك وأسفل الأضلاع وهما خاصرتان.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -          النهي أن يصلي المصلي واضعاً يده على خاصرته وهي ما بين رأس الورك وأسفل الأضلاع.
2 -          الحكمة في النهي هو الابتعاد عن مشابهة اليهود فإنهم يضعون أيديهم على خواصرهم في الصلاة.
3 -     وقيل الحكمة أنه فعل المتكبرين ولا منافاة فإن من طبيعة اليهود الكبر واحتقار الناس ولايرون شعباً ولا جنساً أفضل منهم، فإنهم يقولون إنهم شعب الله المختار.
4 -     الصلاة المطلوب فيها الخشوع والخضوع؛ لأن المصلي واقف بين يدي الله تعالى متذللا بعيدا عن صفات المتكبرين وسيماهم.
5 -     الواجب البعد عن مشابهة أهل الضلال سواء أكان هذا التشبيه مما يخرج من الملة أو كان يفضي إلى المعصية فإن من تشبه بقوم فهو منهم.
6 -          جمهور العلماء حملوا النهي على التنزيه ومن هؤلاء الحنابلة قالوا لأنه لا يعود على الصلاة ببطلان.

وعن انس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قدم العًشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب" متفق عليه
مفردات الحديث:
العشاء: بالفتح: والمد طعام الليل الذي يتعشى به، وبالكسر وقت العشاء.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -     إذا كان وقت صلاة المغرب وقد قدم طعام العَشاء متشوقة إليه النفوس فإن الأفضل هو تقديم الطعام قبل أداء الصلاة.
2 -     الحكمة في هذا هو أن المطلوب في الصلاة هو حضور القلب، والحاجة إلى الطعام تشغل القلب وتحول دون الخشوع في الصلاة ففضل تقديم الأكل على الصلاة لتؤدى الصلاة براحة البال وحضور القلب.
3 -     يؤخذ منه إبعاد الصلاة عن كل ما يشغل النفس ويلهي القلب عن استحضار معاني الصلاة من القراءة والأذكار والتنقل فيها من ركن إلى ركن آخر.
4 -     جمهور العلماء حملوا تقديم الطعام على الصلاة على الندب. أما الظاهرية فحملوه على الوجوب، فلم يصححوا الصلاة في هذه الحال عملاً بالظاهر.
5 -     إذا ضاق وقت المكتوبة بحيث لو قدم الطعام لخرج وقتها فجمهور العلماء على تقديم الصلاة محافظة على الوقت.
أما الذين أوجبوا الخشوع في الصلاة فإنهم أوجبوا تقديم الطعام على الصلاة.
6 -     هذه الخلافات فيما إذا كانت النفس محتاجة للطعام ومتعلقة به، أما مع عدم الحاجة إليه وإنما حان وقت وجبة عادية فالصلاة والجماعة لها مقدمة على ذلك على أنه لا يجوز أن يجعل وقت طعامه أو وقت منامه موعداً لوقت الصلاة ويفوت الصلاة وأول وقتها لأجل مواعيده الرتيبة في أكله ومنامه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". رواه البخاري، وللترمذي وصححه: "إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة فإن كان لابد ففي التطوع".
مفردات الحديث:
اختلاس: اختلس الشيء استلبه، وهو الأخذ على وجه الغفلة من المختلس.
يختلسه: استعير لذهاب الخشوع اختلاس الشيطان بتصوير قبح تلك الفعلة، أو أن المصلي مستغرق في مناجاة ربه والله تعالى مقبل عليه والشيطان كالراصد منتظر فوات تلك الحالة عنه فإذا التفت المصلي اغتنم الفرصة فيختلسها منه.
هلكة: الهلاك الموت وسمي الالتفات هلكة باعتبار كونه سببا لنقصان الثواب الحاصل بالصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -          كراهة الالتفات في الصلاة إلا من حاجة.
2 -     فإن كان ثم حاجة كخوف وترقب عدو لم يكره لما روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال: ثّوب بصلاة الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب وكان قد أرسل فارساً من الليل يحرس.
3 -          كراهة الالتفات إذا كان بالرأس والعنق أما إن استدار المصلي بجملته فاستدبر القبلة حرم وبطلت صلاته.
قال ابن عبدالبر: جمهور الفقهاء على أن الالتفات اليسير لا يبطل الصلاة.
4 -     سبب الكراهة أنه نقص في الصلاة أذهب الخشوع فيها والإقبال على الله تعالى وسبب الإعراض عن الله تعالى وعن القبلة التي أمر المصلي أن يتوجه إليها ويصمد نحوها كل صلاته.
5 -          والالتفات من كيد الشيطان فإن سرقة سرقها من صلاة العبد احدثت بالصلاة نقصا في قيمتها عند الله تعالى.
6 -     جاء في الرواية الأخرى التحذير من الالتفات في الصلاة، وبينت أنه هلكة، وأي شيء أعظم من هلكة تصيب الإنسان في دينه وفي أعظم شعيرة يؤديها، فقد جاء في الدعاء المأثور: اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
7 -     الصلوات المكتوبات أهم الصلوات ويجب أن تكون العناية والاهتمام بهن أكثر، ولذا فإن وقوع الالتفات في الصلاة النافلة أخف منه في الفريضة. وهكذا سائر الأمور المكروهة في الصلاة فوقوعها في النافلة أخف وأسهل من الفريضة.
8 -     أجمع العلماء على كراهة الالتفات في الصلاة وقال ابن هبيرة: جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة ولا يبطلها وإنما يتقصها.


وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم". رواه مسلم، وله عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان".
مفردات الحديث:
لينتهين: من الانتهاء.
أو لا ترجع: أو هنا للتخيير الذي قصد به التهديد وهو خبر في معنى الأمر.
والمعنى ليكونن منهم الانتهاء عن رفع الأبصار أو خطف الأبصار عند الرفع من الله تعالى فلا تعود إليهم أبصارهم.
الأخبثان: هما البول والغائط فمن احتبس بوله فهو حاقن ومن احتبس غائطه فهو حاقب، والحازق مدافع الريح، والحاقم مدافع البول والغائط.
يدافعه الأخبثان: لفظ المدافعة – إشارة إلى شدة الاحتياج لقضائهما فكأنهما يدفعان المصلي إلى قضائهما والمصلي يدفعهما حتى يؤدي الصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -     الخشوع هو لب الصلاة وروحها، ويكون بالقلب والجوارح. والذي يرفع بصره إلى السماء ويجيل نظره هاهنا وهاهنا لم يخشع قلبه ولا جوارحه، ذلك أن القلب بفكره يتبع النظر ولذا رأي سعيد بن المسيب رجلاً يبعث بلحيته وثيابه فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
2 -     النبي صلى الله عليه وسلم توعد من رفع بصره إلى السماء في الصلاة بخطف بصره ومع ذلك يوجد كثير ممن يرفعون أبصارهم لم يعرف أن أحداً رفع بصره إلى السماء ثم خطفت فلم يرجع إليه بصره وأصبح لا يبصر.
والجواب الأول: أن تخلف الوعيد – كرماً ولطفاً – لا يعني أنه لن يقع الأمر.
الأمر الثاني: أنه قد لا يخطف حساً ولكنه خطف معنى وهذا أعظم، فإن الأول عقوبة في الدنيا، والثاني عقوبة في الآخرة، فإن الإنسان إذا كان لا يستفيد من نظره فيما يعود عليه بإصلاح أمره فقد خطف فائدة بصره، لذا قال تعالى: "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". وقال تعالى: "ولهم أعين لا يبصرون بها".
3 -          هذا الوعيد يدل على تحريم رفع البصر إلى السماء في الصلاة، وهو قول الجمهور.
4 -          يكره تغميض عينيه؛ لأنه فعل اليهود؛ ولأنه مظنة النعاس إلا إن احتاج إليه فتزول كراهته.
5 -          أما حديث عائشة فيدل على كراهة الصلاة في حال مدافعة الأخبثين وهما البول والغائط.
6 -     مثل مدافعة الأخبثين كل ما يشغل باله من ريح في جوفه أو حر أو برد شديدين أو جوع أو عطش مفرط أو غير ذلك مما يذهب عنه الخشوع وحضور القلب.
7 -     في صلاة مدافع الأخبثين خلاف ولكن الجمهور على صحتها ويؤولون ظاهر الحديث بأنه لا صلاة كاملة. أما الظاهرية فلا يرون صحة الصلاة عملاً بظاهر الحديث.


باب المساجد

مقدمة:
المساجد: جمع مسجد والمسجد لغة مفعل فهو بالكسر اسم مكان السجود وبالفتح مصدر ميمي.
ويقال: مسيد بفتح الميم حكاه غير واحد.
وأما شرعاً: فكل موضع في الأرض فإنه مسجد.
وهذا من خصائص هذه الأمة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً".
قال القرطبي: هذا ما خص الله به نبيه وكانت الأنبياء قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في مواضع مخصوصة، ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه فيه اشتق منه اسم مكان فقيل مسجد.
وللمساجد أحكام ذكرها الفقهاء في (باب الاعتكاف) وأفرد بعض العلماء كتباً مستقلة بأحكام المساجد من أهمها: (إعلام الساجد بأحكام المساجد) للزركشي الشافعي.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصحح إرساله.
مفردات الحديث:
الدور: جمع دار وهي مؤنثة يحتمل أن المراد بها البيوت، ويحتمل إرادة الأحياء، فينبني في كل حي مسجداً.
والمعنى الأخير أجود وأقرب.
تطيب: يجعل فيها الطيب وتطييبها يكون بالبخور ونحوه.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -      الدور هنا يحتمل معنيين إما أن يراد بذلك أحياء القبائل فيستحب بناء المساجد في الأحياء المسكونة ليجتمع أهل الحي للصلوات فيها، ولاشك في عظم أجر ذلك لما جاء في الصحيحين عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة.
ويحتمل أن المراد بالدور البيوت فإنه يستحب تعيين مكان للصلوات النوافل أو الفرائض ممن لا تجب عليهم في المسجد، لما جاء في الصحيحين وغيرهما عن عتاب بن مالك أنه قال: يا رسول الله إن البيوت تحول بيني وبين مسجد قومي فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً فقال: "سنفعل". فلما دخل قال: "أي مكان تريد" فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففنا خلفه فصلى بنا ركعتين.
2 -            استحباب تنظيف المساجد وتطييبها قال تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع"، وقال تعالى: "وطهر بيتي".
3 -            احترام شعائر الله تعالى ومواطن عبادته، قال تعالى: "ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه".
4 -      استحباب صلوات النوافل في البيوت حتى ممن تجب عليه الجماعة. جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".




وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" متفق عليه وزاد مسلم "والنصارى"، ولهما من حديث عائشة: "كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً"، وفيه "أولئك شرار الخلق".
مفردات الحديث:
قاتل الله اليهود: لعنهم الله وأبعدهم من رحمته، وقد جاء في حديث عائشة في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قال ابن عباس كل شيء في القرآن قتل فهو لعن وقال ابن عطية: قاتلهم الله: دعاء عليهم عام لأنواع الشر ومن قاتله الله فهو المغلوب.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -      الرواية الأولى قالها النبي صلى الله عليه وسلم في سياق الموت: قالت عائشة لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر مما صنعوا.
2 -      الرواية الثانية عن عائشة قالت: إن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في الحبشة فيها تصاوير فقال: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".
3 -      في الحديث تحريم التصاوير في المساجد لاسيما للرجال الصالحين فالفتنة فيهم أكبر وأعظم وإذا كانت الصور تماثيل مجسمة كان الإثم أكبر والفتنة أعظم.
4 -            في الحديث تحريم بناء المساجد على القبور أو دفن الموتى في المساجد.
5 -            وفي الحديث عدم صحة الصلاة في تلك المساجد التي فيها القبور أو فيها التماثيل لمشابهة ذلك بعبادة الأصنام.
6 -      وفيه أن من بنى مسجدا على قبر أو دفن ميتاً في مسجد ووضع الصور والتماثيل في المسجد أنه من شرار الخلق لما يحدث بسبب فعله من الفتنة الكبيرة وهي الشرك بالله تعالى.
7 -            وفيه أنه كما عظمت المفسدة عظم الذنب وصار المتسبب من شر خلق الله تعالى.
8 -      وفيه أن بناء المساجد على القبور ونصب الصور في المسجد هو عمل اليهود والنصارى، وأن من فعل هذا فقد شابههم واستحق العذاب الذي يستحقونه.
9 -      العلة التي لأجلها نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك، فإن الشرك بالرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر، ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها ويخشعون ويخضعون ويعبدونها بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته.
وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور تبركاً بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا" رواه مسلم.
مفردات الحديث:
ينشد: من نشد الضالة إذا طلبها وسأل عنها وكذا إذا عرفها.
ضالة: كل ما ضل، جمعه ضوال قال في المصباح: ضالة بالهاء للذكر والأنثى والجمع الضوال ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة فالضالة خاصة بالحيوان.
لا ردها الله عليك: دعاء عليه بنقيض قصده وهو نوع من أنواع التعزيز.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -            إن من سمع من ينشد ضالة في المسجد فليدع عليه جهراً بقوله: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا.
2 -            هذا الحكم عام سواء كانت حيواناً أو متاعاً أو نقداً أو غير ذلك بجامع أن المساجد لم تبن لهذا.
3 -      الحديث يدل على تحريم نشدان الضالة في المسجد ووجوب الدعاء عليه بهذا الدعاء وإعلامه باستحقاقه الدعاء حيث اتخذ المسجد لنشدان الضوال وإشغال المصلين والمتعبدين بأعمال الدنيا.
4 -            ظاهره أنه لو خرج عند باب المسجد فنشدها فإنه لا يحرم لأنه ليس من المسجد.
5 -            فيه بيان وظيفة المسجد بأنها الصلاة وذكر الله وتلاوة كتابه والمذاكرة في الخير ونحو ذلك.
6 -      قال ابن كثير: المساجد أحب البقاع إلى الله تعالى في الأرض وهي بيوته التي يعبد الله فيها. قال تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" أمر بتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها.


وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا له: لا أربح الله تجارتك" رواه النسائي والترمذي وحسنه.
مفردات الحديث:
أو يبتاع: أصل الباع وهو ما بين الكفين إذا بسطها يمينا وشمالاً، ولما كان المتبايعين يمدان باعيهما عند البيع اشتق منه البيع، وابتاع بمعنى اشترى.
تجارتك: التجارة مصدر سمي به حرفة البيع والشراء.
لا أربح الله تجارتك: أي لا يجعلها نافعة ناجحة.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -   إنه يجب على من سمع من يبيع أو يشتري في المسجد أن يقول: له جهرا لا أربح الله تجارتك فإن المساجد لم تبن للبيع والشراء.
2 -   تحريم البيع والشراء في المسجد وهل ينعقد البيع والشراء مع التحريم أم لا؟ ذهب الإمام الشافعي وكثير من العلماء إلى انعقاده مع التحريم. وقد ذهب الإمام أحمد إلى أنه يحرم ولا ينعقد.
3 -      المساجد إنما بنيت لطاعة الله وعبادته فيجب أن تجتنب أحوال الدنيا. من بيع وشراء ونحوه.
4 -   قال القرطبي: وتصان المساجد عن البيع والشراء وجميع الأشغال لما روى مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قام رجل فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له". وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلاة والأذكار وقراءة القرآن.


وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" متفق عليه.
مفردات الحديث:
إذا دخل: إذا شرطية وفعلها – دخل.
فلا يجلس: لا ناهية والفعل بعدها مجزوم وهو جزاء الشرط.
ركعتين: أطلق الجزء وأراد الكل، وهذا كثير والغالب أن الجزء المذكور لم يعين إلا لأهميته.
ما يؤخذ من الحديث:
1 -        نهى داخل المسجد أن يجلس حتى يصلي ركعتين تسميان تحية المسجد.
2 -        ظاهر الحديث الأمر بهما للوجوب وبه قال الظاهرية، وحمله جمهور العلماء على الندب والاستحباب لقوله صلى الله عليه وسلم للذي يتخطى رقاب الناس اجلس فقد آذيت، ولم يأمره بالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم لمن علمه أركان الإسلام وفيها الصلوات الخمس.
3 -    ظاهر الحديث أن الداخل إذا جلس فاتتا عليه. ولكن قال جمع من أهل العلم إذا لم يطل وقت فإنهما تستدركان فيصليهما لما روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ركعت ركعتين؟" قال: لا. قال: "قم فاركعهما".
4 -        لو دخل المسجد الحرام وأراد القعود قبل الطواف أو لم يرد الطواف فإنه يشرع له التحية كغيره من المساجد.
5 -    إذا دخل المسجد وهم في المكتوبة وهو يريد الصلاة معهم فإنه يجب عليه أن يدخل معهم ولا يجوز له الانشغال بصلاة غير المكتوبة لما في الصحيحين "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وتجزئ عن تحية المسجد فإنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد دخلت إحداهما في الأخرى.
6 -    اختلف العلماء في الصلوات ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء وصلاة الكسوف هل تصلى وقت النهي أم لا؟ على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن جميع التطوعات لا تصلى في وقت النهي عدا ركعتي الطواف. مستدلين بعموم أحاديث النهي.
القول الثاني: ذهب الشافعية وإحدى الروايتين في مذهب أحمد إلى أن النهي خاص بالنفل المطلق عن السبب، أما الصلوات ذوات الأسباب فجائزة عند وجود سببها، واستدلوا بالأحاديث الخاصة بهذه الصلوات فإنها مخصصة لأحاديث النهي العامة.

باب صفة الصلاة
صفة الصلاة هي الهيئة الحاصلة في الصلاة بما لها من الأركان والواجبات والسنن، وهي تبرئ الذمة وتسقط الواجب إذا أداها العبد بشروطها وأركانها وواجباتها فقط.
ولكنها أعظم العبادات وسيلة إلى مرضاة الله تعالى وحصول ثوابه إذا صاحب أداء الواجبات الخشوع والخضوع والطمأنينة وجمع القلب على الله تعالى بحيث يؤديها بحال المراقبة لله تعالى والتفكير والتدبر لما يقول من القراءة والذكر والدعاء ولما يفعل من هيئات القيام والركوع والسجود والقعود.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" أخرجه السبعة واللفظ للبخاري، ولابن ماجه بإسناد مسلم "حتى تطمئن قائماً"، ومثله في حديث رفاعة بن رافع عند أحمد وابن حبان "حتى تطمئن قائماً"، ولأحمد فأقم صلبك حتى ترجع العظام"، وللنسائي وأبي داود من حديث رفاعة بن رافع "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويثني عليه" وفيها "فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله"، ولأبي داود "ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شاء الله"، ولابن حبان "ثم بما شئت".
مفردات الحديث:
أسبغ الوضوء: أكمل الوضوء وأتمه.
أم الكتاب: هي الفاتحة سميت بذلك لجمعها المعاني العظيمة التي اشتمل عليها القرآن ولأنها فاتحة في التلاوة والكتاب.
ما تيسر من القرآن: ما سهل عليك معرفته من القرآن، والمراد بذلك سورة الفاتحة؛ لأنها أيسر سورة تحفظ من القرآن، ولما جاء في أبي داود "فاقرأ بأم الكتاب".
راكعاً: الركوع حني الظهر حتى تمس اليدين الركبتين، وكماله حتى يستوي الرأس بالظهر.
حتى تطمئن راكعاً: جاء في تفسير الطمأنينة في بعض روايات الحديث بقوله: "حتى تطمئن مفاصلك وتسترخي" و "حتى تستوي جالساً" "فأقم صلبك حتى ترجع العظام" و "يسجد حتى يمكن وجهه وجبهته" فهذه تفاسير الطمأنينة في هذه الأركان ونحوها.
أقم صلبك: هو فقار الظهر، قال تعالى: "يخرج من بين الصلب والترائب".
كبره وهلله: كلمتان منحوتتان من – الله أكبر – ولا إله إلا الله ، والنحت هو جمع حروف الكلمة وتركيبها من كلمتين أو كلمات.
فكبر: يعني قل: الله أكبر ، لا يقوم غيرها مقامها وتكون همزة (الله) مقصورة، فإن مدها لم تنعقد صلاته لأنها صارت همزة استفهام.
ومثلها في القصر همزة أكبر ، فهي بالمد تكون استفهاما، وإن قال: أكبار، لم تنعقد صلاته لأنه جمع كَبَر بفتحتين والكبر الطبل فيكون أكبار ، أي طبول.
ما يؤخذ من الحديث:
(10)   ما ذكر في هذا الحديث من الأقوال والأفعال فهو مما يجب في الصلاة وما لم يذكر فيه يدل على عدم وجوبه ما لم يثبت بدليل آخر.
(11)    يدل الحديث على ركنية الأعمال المذكورة في هذا الحديث بحيث لا تسقط سهواً ولا جهلاً.
(12)    تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة في الركعة الأولى فقط.
(13)   قراءة الفاتحة في كل ركعة ثم الركوع والاعتدال منه ثم السجود والاعتدال منه والطمأنينة في كل هذه الأفعال حتى في الرفع من الركوع والسجود كلها من أركان الصلاة.
(14)    أما بقية الأركان كالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهي معلومة لدى السائل.
(15)    أن يفعل هذه الأركان في كل ركعة من أركان الصلاة عدا تكبيرة الإحرام ففي الركعة الأولى دون غيرها.
(16)    الطمأنينة وهي الركن التاسع من أركان الصلاة في الركوع والاعتدال عنه وفي السجود والجلوس بين السجدتين وفي قدرها وجهان:
أحدهما: أنها السكون وإن قل.
الثاني: إنها بقدر الذكر الواجب.
(17)    وجوب الوضوء وإسباغه للصلاة وأن ذلك شرط.
(18)    وجوب استقبال القبلة للصلاة وأن ذلك شرط.
(19)    وجوب الترتيب بين الأركان لأنه ورد بلفظ ثم ، كما أنه مقام تعليم جاهل بالأحكام.
(20)    إن هذه الأركان لا تسقط جهلاً ولا سهواً بدليل أمر المصلي بالإعادة ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بتعليمه.
(21)    أن من أتى بعبادة على وجه غير صحيح جهلاً ومضى زمنها لا يطلب منه إعادتها.
(22)   مشروعية حسن التعليم وطريقة الأمر بالمعروف بأن يكون بطريقة سهلة ميسرة حتى لا ينفره فيرفض المتعلم إذا علم بطريق العنف والشدة والغلظة.
(23)   يستحب للمسؤول أن يزيد في الجواب إذا اقتضت المصلحة ذلك كأن تكون قرينة الحال تدل على جهل السائل ببعض الأحكام التي يحتاجها.
(24)    إن المعلم يبدأ في تعليمه بالأهم فالأهم وتقديم الفروض على المستحبات.
(25)    اختلف الفقهاء في حكم الفاتحة على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية إلى صحة الصلاة بقراءة أي شيء من القرآن حتى من قادر على الفاتحة عالم بها.
دليل هذا القول:
1 – قوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه).
2 – إحدى روايات هذا الحديث "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن.
القول الثاني: ذهب الجمهور إلى عدم صحة الصلاة بدون الفاتحة لمن يحسنها.
دليل هذا القول:
1 – في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وهذا نفي لحقيقة الصلاة لا لكمالها.
2 – وأجابوا عن الآية بأنها جاءت لبيان ما يقرأ في صلاة الليل بعد الأمر في أول السورة بقوله تعالى: "قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه" فخففت القراءة والصلاة إلى المتيسر من ذلك.
وأما رواية الحديث فمجمله فسرتها الروايات الأخر عند أبي داود وابن حبان "اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله".
ولابن حبان في حديثه: "واقرأ بأم القرآن وبما شئت".


عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته". أخرجه البخاري.
مفردات الحديث:
جعل يديه حذو منكبيه: حاذى الشيء الشيء محاذاة صار بحذائه وإزائه يعني أن المصلي يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام حتى تحاذي منكبيه.
منكبيه: المنكب هو مجتمع رأس العضد والكتف.
هصر ظهره: ثنى ظهره في استواء من غير تقويس.
فقار: جمع فقيرة هي عظام فقرات الظهر المستقيمة من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب.
مفترش ذراعيه: افتراش الذراعين هو إلقاؤهما على الأرض.
مفردات الحديث:
(1)             وجوب تكبيرة الإحرام بقوله الله أكبر ولا تنعقد الصلاة بدونها.
(2)             استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام.
(3)             استحباب تمكين يديه من ركبتيه أثناء الركوع وتفريج أصابعه.
(4)             استحباب هصر ظهره أثناء الركوع ليستوي مع رأسه فيكون الرأس بإزاء الظهر فلا يرفعه ولا يخفضه.
(5)             ثم يرفع رأسه ويديه حتى يحاذي بهما منكبيه قائلاً الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد.
ويبقى مستويا مطمئنا راجع كل فقار من فقرات الظهر إلى مكانه.
(6)             ثم يسجد ويضع كفيه على الأرض غير مفترش لذراعيه موجهاً أصابع يديه إلى القبلة غير قابض لهما.
(7)             يضع قدميه على الأرض مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة.
(8)             إذا جلس في التشهد الأول فرش رجله اليسرى وجلس عليها ونصب اليمنى مستقلاً بأصابعها القبلة.
(9)     إذا جلس في التشهد الأخير للصلاة التي فيها تشهدان جلس متوركاً بأن يقدم رجله اليسرى ويخرجها من تحته وينصب اليمنى ويضع إليته على الأرض.
(10)   المرأة تفعل مثل ما يفعل الرجل في جميع ما تقدم حتى رفع اليدين لكن تضم نفسها في ركوع وسجود وغيرهما.

وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك" رواه مسلم بسند منقطع، والدارقطني موصولاً وهو موقوف ونحوه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً عند الخمسة وفيه: وكان يقول بعد التكبير: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".
درجة الحديث:
الحديث صحيح
مفردات الحديث:
سبحانك: أي أنزهك عن كل نقص وعيب.
وبحمدك: معناه سبحت ملتبساً بحمدي لك، أي أن ما قمت به من التسبيح هو بتوفيقك وهدايتك لا بحولي وقوتي.
تعالى: تعاظم وارتفع وتنزه عما لا يليق بجلاله.
جدك: أي عظمتك وجلالك وسلطانك.
الرجيم: أي المرجوم بالطرد واللعن عن رحمة الله تعالى.
همزه: هو الجنون والصرع الذي يعتري الإنسان.
نفخه: بوسوسته بتعظيم نفسه وتحقير غيره عنده فيزدريه ويتعاظم عليه.
نفثه: النفث فعل السحر.
أعوذ بالله: ألجأ إلى الله وأعتصم به.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             هذا أحد أنواع استفتاحات الصلاة وقد ورد غيره في الأحاديث الصحيحة.
(2)     يجوز الاستفتاح بكل ما ورد وثبت. قال ابن تيمية: الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة باتفاق المسلمين، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يداوم على استفتاح واحد قطعاً. والأفضل أن يأتي بالعبادات المتنوعة على وجوه متنوعة كل نوع منها على حدته ولا يستحب الجمع بينها.
(3)             الاستعاذة بالله تعالى في الصلاة سنة مندوب إليها عند الجمهور.
(4)             أن العبد ضعيف لا يستغني عن ربه طرفة عين.


وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً وإذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم. أخرجه مسلم وله علة.
مفردات الحديث:
لم يشخص: أي لم يرفعه ومنه الشاخص للشيء المرتفع.
لم يصوبه: أي لم يخفضه خفضاً أنزل من مستوى ظهره.
عقبة الشيطان: بالإقعاء المنهي عنه بأن يلصق إليته في الأرض وينصب ساقيه وفخذيه.
افتراش السبع: واحد السباع المفترسة. وهو أن يبسط الساجد ذراعيه في الأرض فيشابه السبع في هيئة إقعائه وافتراش ذراعيه.
التحية: يعني به التشهد الأول المعروف.
يختم الصلاة: ختم الشيء أتمه وبلغ آخره والمراد هنا أتم الصلاة وأكملها.
التسليم: يعني السلام عليكم ورحمة الله.
ما يؤخذ من الحديث:
هذا الحديث فيه بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري.
كان إذا ركع لم يشخص رأسه بأن يرفعه عن مساواة ظهره، ولم يصوبه بأن يخفضه فينزل به عن مساواة ظهره. ولكن بين ذلك فيجعله كما روى ابن ماجه عن وابصة بن معبد قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر.
كان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان يقول: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود" رواه الخمسة.
وإذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي جالساً وكان يأمر بهذا كما تقدم في قوله: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود".
وكان يجلس بعد كل ركعتين فيقرأ في جلسته "التحيات لله" وهو التشهد الذي ورد فيه وأحسنه ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: التفت إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
وكان في جلوسه بين السجدتين وللتشهد الأول من الصلاة ذات التشهدين يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويوجه أصابعه إلى القبلة.
وكان ينهى عن عقبة الشيطان وذلك بأن ينصب ساقيه وفخذيه ويضع إليته بينهما على الأرض فهذا هو إقعاء الكلب الذي يحض الشيطان على مشابهته ليذهب ببهاء الصلاة وهيئتها الجميلة.
وينهى عن أن يفترش المصلي ذراعيه بأن يضعهما على الأرض لما في هذه الهيئة من مشابهة للسبع المؤذي المفترس حينما يبسط ذراعيه على الأرض إما مستجديا للآكلين وإما متربصا متوثباً بالغافلين.
وكان يختم الصلاة بالتسليم بأن يقول ناوياً الحاضرين من المصلين والملائكة المقربين: السلام عليكم ورحمة الله مرة عن يمينه وأخرى عن يساره ليعم الحاضرين بهذا الدعاء الكريم المناسب.
والسلام هو ختام الصلاة لما روى أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وختامها التسليم".


وعن  ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع، متفق عليه. وفي حديث أبي حميد عند أبي داود "يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر" ولمسلم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه نحو حديث ابن عمر لكن قال حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
مفردات الحديث:
حذو: أي إزاء ومقابل منكبيه.
منكبيه: تثنية منكب وجمعه مناكب وهو مجتمع رأس العضد والكتف.
فروع أذنيه: عوالي أذنيه.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     استحباب رفع اليدين حتى تحاذي المنكبين عند افتتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام وكذلك عند تكبيرة الركوع. وعند رفع رأسه من الركوع. فهذه ثلاثة مواضع يستحب فيها رفع اليدين حذو المنكبين.
(2)     الرواية الأخرى أن يرفع يديه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. وأحسن جمع للروايتين أن يحمل على التوسع واختلاف الأحوال فالوجهان سنة.
(3)             والرفع في المواطن كلها من مستحبات الصلاة.


وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه" متفق عليه واللفظ للبخاري وللنسائي: كنا نقول قبل أن يفرض التشهد. ولأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس. ولمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله إلى آخره".
مفردات الحديث:
التحيات لله: جمع تحية جمعت لتشمل معاني التعظيم كلها لله تعالى ففيها الثناء المطلق لله تعالى وأنواع التعظيم له جل وعلا.
الصلوات: هي الصلوات المعلومات وأول ما يدخل فيها الصلوات المكتوبات الخمس.
الطيبات: تعميم بعد تخصيص فجميع الأقوال والأفعال والأوصاف الطيبة هي مستحقة لله تعالى وخاصة به فلا تنبغي لأحد سواه.
السلام عليك أيها النبي: أي السلام من النقص والعيب وأي آفة أو فساد فهو دعاء من المصلي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء أكان حاضرا أو غائبا، بعيداً أو قريبا، حيا أو ميتا، ولذا فإنها تقال سراً.
رحمة الله: صفة لله تعالى تليق بجلاله، بها يرحم عباده وينعم عليهم.
وبركاته: جمع بركة وهو الخير الكثير من كل شيء.
السلام علينا: أراد به الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة.
الصالحين: هم القائمون بحقوق الله وحقوق خلقه ودرجاتهم متفاوتة.
أشهد أن لا إله إلا الله: أي أجزم وأقطع أنه لا معبود بحق إلا الله.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: أي أجزم وأقطع بأن محمد عبدالله ورسوله تجب طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             هذا الذكر يسمى – التشهد – مأخوذ من لفظ الشهادتين فيه فهما أهم ما فيه.
(2)     يقال هذا التشهد في الصلاة الثنائية مرة واحدة، أما في الصلاة الثلاثية والرباعية ففيهما تشهدان الأول بعد الركعة الثانية والأخير الذي يعقبه السلام.
(3)             التشهد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أربعة وعشرين صحابياً بألفاظ مختلفة وكلها جائزة.
(4)             قوله "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو" يدل على استحباب الدعاء بعد التشهد.
(5)     أجمع العلماء على مشروعية التشهد الأول والجلوس له في الصلاة ذات التشهدين واختلفوا في وجوبهما على قولين:
القول الأول: ذهب الإمام أحمد والشافعي في إحدى الروايتين عنه إلى وجوبها.
دليل هذا القول:
1 – الأحاديث الواردة في التشهد والأمر به من غير تقييد بتشهد آخر.
2 – لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولأنه قال لابن مسعود: "فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله ... الخ".
القول الثاني: ذهب مالك والشافعي إلى استحباب التشهد الأول دون وجوبه.
دليل هذا القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم تركهما سهواً ولم يرجع لهما. ولم ينكر على الصحابة حين تابعوه على تركها.

وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت ثم قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتكم" رواه مسلم وزاد ابن خزيمة فيه: "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟".
مفردات الحديث:
نصلي عليك: الصلاة من المؤمنين لنبيهم دعاؤهم له أي طلب زيادة الثناء.
وبارك: أي أثبت له دوام ما أعطيته من التشريف والكرام.
في العالمين: العالمون جمع عالم بفتح اللام ويراد به جميع الكائنات أي أظهر الصلاة والبركة على محمد وآله في العالمين كما أظهرتها على إبراهيم وآله في العالمين.
حميد: فعيل من الحمد يعني المحمود وهو أبلغ منه والحميد هو من حصل له من صفات الحمد أكملها ذاتاً وصفاتاً.
مجيد: فعيل من المجد مبالغة من ماجد وهو صفة الكمال في الشرف والكرم.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             قولهم أمرنا الله أن نصلي عليك دليل وجوب الصلاة فإن الأمر يقتضي الوجوب.
(2)             استحباب هذه الصفة المذكورة في الصلاة فرضاً كانت أو نافلة.
(3)     إن من حق نبينا علينا أن نصلي عليه وندعو له فإن هذا الدين العظيم وهذه المنة الكبرى لم تصلنا من الله تعالى إلا عن طريقه وعلى يديه.
(4)     وردت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة وروايات منوعة. وقد أجمع العلماء على جواز كل ثابت من الصلاة على نبينا وجواز الإتيان به ولكن في غير صلاة واحدة وإنما يأتي كل صيغة بصلاة ليعمل بجميع النصوص ويحيي روايات السنة كلها.
(5)             اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير على قولين:
القول الأول: ذهب الشافعي وأحمد إلى وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير سواء كانت الصلاة ذات تشهدين أو واحد ولو تركت لم تصح الصلاة.
دليل هذا القول:
1 – الآية الكريمة الآمرة بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام .
2 – قوله عليه الصلاة والسلام (قولوا اللهم صل)
القول الثاني: ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها سنة.
دليل هذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ساق التشهد: إذا فعلت ذلك فقد قضيت صلاتك.

وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" رواه أبو داود بإسناد صحيح.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             الصلاة تختم بالتسليم. قال صلى الله عليه وسلم "وتحليلها التسليم".
(2)     صيغة التسليم (السلام عليكم ورحمة الله) مرتان، واحدة عن اليمين والأخرى عن الشمال. ويجوز زيادة (وبركاته) أحياناً.
(3)             الابتداء باليمين بالسلام والالتفات في التسليمين كل ذلك سنة ليس بواجب.
(4)     السلام دعاء بالسلامة من النقائض والعيوب والآفات وسؤال الرحمة للحاضرين من المصلين والملائكة الكرام الحاضرين فهو دعاء مناسب ينبغي للمصلي أن يستحضر هذه المعاني وأن يستحضر أدب الدعاء.
(5)     المصافحة بعد السلام من الصلاة لا أصل لها لا بنص ولا عمل من الشارع ولا من الصحابة ولو كانت مشروعة لتوفرت ولكان السابقون أحق بها. أما إذا كانت أحيانا لكونه لقيه عقب الصلاة لا لأجل الصلاة فجائز.
(6)             أجمع العلماء على مشروعية السلام في الصلاة والخروج منها به واختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب المالكية والشافعية إلى وجوب التسليمة الأولى، وأما التسليمة الثانية فسنة ليست بواجبة لديهم.
دليل هذا القول: استدل المالكية والشافعية على أن الفرض هو تسليمة واحدة بعموم (وتحليلها التسليم) رواه أبو داود. وأقله (السلام عليكم). قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة.
القول الثاني: ذهب الحنفية إلى أن التسليم سنة وليس بفرض وأنه يجوز الخروج من الصلاة بسلام أو كلام أو غير ذلك مما ينافي الصلاة.
دليل هذا القول:
1 – حديث ابن مسعود "إذا قضيت هذا تمت صلاتك.
2 – لأن التسليم لم يذكر في حديث المسيء في صلاته.
القول الثالث: ذهب الحنابلة إلى أن التسليمتين فرضان فلا تكفي الأولى عن الثانية.
دليل هذا القول: ما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله – السلام عليكم ورحمة الله، ويلتفت حتى يرى بياض خده.

باب سجود السهو وسجود التلاوة والشكر
سجود السهو:
سها عن الشيء: سهواً ذهل عنه وغفل قلبه عنه إلى غيره فالسهو ذهول وغفلة عما كان في الذكر.
قال القاضي عياض: السهو في الصلاة النسيان فيها.
قال ابن القيم: كان سهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من تمام نعمة الله تعالى على أمته وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو.
سجود التلاوة:
هو سجود المسلم عند قراءته لسجدة التلاوة. وسجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب عند الجمهور.
سجود الشكر:
فيستحب عند تجدد النعم واندفاع النقم سواء أكانت عامة أو خاصة بالساجد ولا يسجد لدوام النعم لأن نعم الله لا تنقطع.
وصفته وأحكامه كسجود التلاوة.
عن عبدالله بن بحينة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم" أخرجه السبعة، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لمسلم يكبر في كل سجدة وهو جالس وسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس.



ما يؤخذ من الحديث:
(1)     فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سهى في صلاة الظهر فقام عن التشهد الأول ولم يجلس فتبعه أصحابه على ذلك ولعلهم هابوا التسبيح به إذ ظنوا أن أمراً قد طرأ في حكم الصلاة.
(2)     إن سجدتي السهو كسجود صلب الصلاة من حيث التكبير والهيئة وما يقال فيهما فهما داخلتان في عموم الأمر بأذكار السجود ولو كان لهما ذكر خاص لبينه صلى الله عليه وسلم فهذا وقت الحاجة إلى بيانه.
(3)             إن سجود السهو يكون قبل السلام إذا حصل نقص في الصلاة.
(4)     لم يذكر في هذا الحديث أنه بعد سجدتي السهو تشهد أو دعاء بل يشعر قوله: "قبل أن يسلم" أنه سلم بعدها بلا تشهد ولا فصل.
(5)     فيه طروء السهو والنسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحفوف بالعصمة مما يدل على أن الأمور البشرية الطبيعية لا تخل بعصمته ولا تقدح برسالته. وإنما هو تشريع وتعليم وتوجيه لأمته.
(6)             مشروعية سجود السهو لمن نسي التشهد الأول، وأنه سجدتان.
(7)             وجوب متابعة الإمام في ترك الجلوس للتشهد وإن لم يكن المأموم ناسياً.
(8)             إن التشهد الأول ليس من أركان الصلاة إذ لو كان منها لتعين الإتيان به.
(9)     اتفق العلماء على مشروعية سجود السهو. لكن عند الشافعي سنة وليس بواجب، وعند أبي حنيفة ومالك واجب في النقصان. وعند أحمد واجب في الزيادة والنقصان.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، قال: بلى قد نسيت فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر، ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية لمسلم: صلاة العصر، ولأبي داود فقال: "أصدق ذو اليدين" فأومئوا أي نعم، وهي في الصحيحين لكن بلفظ: فقالوا. وفي رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله تعالى ذلك.
مفردات الحديث:
العشي: هي ما بين زوال الشمس وغروبها، والصلاة التي وقع فيها السهو قيل الظهر، وقيل العصر، لكن جاء في الصحيحين أنها الظهر من غير شك.
هابا أن يكلماه: أجلاه وأعظماه.
سرعان الناس: أوائل الناس المسرعون إلى الخروج.
ذا اليدين: صاحب يدين فيهما طول فلقب بذلك واسمه الخريقان بن عمرو.
لم أنس ولم تقصر: أي في ظنه صلى الله عليه وسلم.
حتى يقنه: يعني حتى علم عن سهوه علم اليقين بالتحقيق وإخبار الثقات.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     جواز السهو على الأنبياء في أفعالهم البلاغية لأنهم بشر يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من البشر إلا أنهم لا يقرون عليه. أما الأقوال البلاغية فالسهو ممتنع على الأنبياء بالإجماع.
(2)             إن الخروج من الصلاة قبل إتمامها – مع ظن أنها تمت – لا يبطلها بل يبني بعضها على بعض.
(3)             إن الكلام في صلب الصلاة من الناسي والجاهل لا يبطلها على الصحيح من قولي العلماء.
(4)             إن الحركة الكثيرة سهواً لا تبطلها ولو كانت من غير جنس الصلاة.
(5)             إن سجود السهو لا يتعدد ولو تعددت أسبابه فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عن نقص واكتفى بسجدتين.
(6)             وجوب سجدتي السهو لمن سها فزاد فيها أو سلم عن نقص فيها ليجبر خلل الصلاة ويرغم به الشيطان.
(7)     إن سجود السهو يكون بعد السلام إذا سلم عن نقص كهذا الحديث، ويكون قبل السلام فيما عدا هذه الصورة. وهذا التفصيل هو الذي يجمع الأدلة وهو مذهب الحنابلة. أما الحنفية فيرون أنه كله بعد السلام. وأما الشافعية فيرون كله قبل السلام.
(8)             إجلال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وإعظامهم إياه وهيبتهم منه حيث لم يجرؤا على مخاطبته.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك الذي خلق" رواه مسلم.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             الحديث في سجود التلاوة. وقد أجمع العلماء على أنه مشروع.
(2)             جمهور العلماء يرون أنه سنة ويرى أبو حنيفة وجوبه دون فرضيته.
(3)             سجود التلاوة بحق القارئ والمستمع وهو قاصد الاستماع لاشتراكهما في الثواب دون السامع فلا يشرع بحقه.
(4)             اختلف العلماء في عدد سجدات القرآن:
فقال أبو حنيفة هي أربعة عشر محلاً فيعتبرون سجدة – ص – ولا يرون في سورة الحج إلا سجدة واحدة.
وذهب الشافعية إلى أنها أحد عشر موضعاً فهم لا يعتبرون سجدات المفصل.
وذهب الحنابلة إلى أنها أربعة عشر سجدة ولا يعتبرون سجدة – ص – من عزائم السجود.
(5)     قال ابن تيمية: ومذهب طائفة من العلماء أنه لا يشرع فيه تكبيرة الإحرام ولا تحليل. هذا هو السنة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليها عامة السلف، فلا يشترط لها شروط الصلاة بل يجوز على غير طهارة.
(6)     يقال في سجود التلاوة ما يقال في سجود الصلاة سبحان ربي الأعلى لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في سجودكم" ولا بأس من زيادة بعض الأدعية لا سيما المأثورة.
(7)             إذا كانت التلاوة والسجود خارج الصلاة ففي أحكامها ثلاثة أقوال:
أحدها: إنه يكبر للسجود ويكبر عند الرفع ويسلم. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
الثاني: إنه لا يكبر في السجود ولا في الرفع منه ولا يسلم منها؛ لأنه لم يرد في ذلك شيء.
الثالث: إنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام ولا يسلم؛ لأن تكبير السجود ورد فيه هذا الحديث، وأما تكبيرة الرفع والتسليم فإنه لم يرد فيه شيء.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها" رواه البخاري.
مفردات الحديث:
ليست من عزائم السجود: العزائم جمع عزيمة وهي التي أكد على فعلها، فسجدة (ص) ليست مما ورد في السجود فيها أمر موجب أو حق ملزم وإنما ورد بصيغة الأخبار بأن داود عليه السلام فعلها شكرا لله تعالى فسجدها نبينا صلى الله عليه وسلم اقتداء به.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     الحديث يدل على أن سجدة (ص) ليست من عزائم السجود أي فليست مما ورد أمر في السجود فيها أو تخصيص أو حث كغيرها من سجدات القرآن، وإنما وردت بصفة الإخبار عن داود عليه السلام بأنه سجدها وسجدها نبينا صلى الله عليه وسلم اقتداء به، وعند أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سجدها داود توبة ونسجدها شكرا" فينبغي أن نسجدها خارج الصلاة.
(2)     المشهور من مذهب الإمام أحمد أن السجود لأجل سجدة (ص) يبطل الصلاة. وقيل لا تبطل بها الصلاة لأنها تتعلق بالتلاوة فهي كسائر سجدات التلاوة. والسجود بها في الصلاة هو مذهب الإمام الشافعي. وقد صح الحديث بسجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها" متفق عليه.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             فيه دليل على أن القارئ إذا لم يسجد فإنه لا يسجد المستمع.
(2)     وفيه دليل أن سجود التلاوة مندوب وليس بواجب إذ لو كان واجباً لأنكر على زيد عدم سجوده، وهو قول الجمهور بخلاف أبي حنيفة. ومما يدل على عدم وجوبه حديث عمر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه" رواه البخاري وفيه: إن الله تعالى لم يفرض السجود إلا أن نشاء وهو في الموطأ.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجداً لله" رواه الخمسة إلا النسائي.
درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وقال الترمذي: حسن غريب.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     هذا الحديث يدل على سجدة يقال لها "سجدة الشكر" وهي مستحبة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة سواء أكانت النقمة أو النعمة خاصة بالساجد أو عامة للمسلمين.
(2)     حكمها حكم سجود التلاوة فمن اعتبر الأولى صلاة اعتبر هذه صلاة لها أحكام الصلاة من اشتراط لطهارة والاستقبال والتكبير والتسليم وغير ذلك من أحكام الصلاة. ومن لم ير سجود التلاوة صلاة اعتبر هذه مثلها.
(3)             ذهب إلى استحباب سجود الشكر الشافعية والحنابلة. أما الحنفية والمالكية فلم يستحب عندهم سجود الشكر.
(4)     يختلف سجود الشكر عن سجود التلاوة بأن سجود التلاوة يجوز في الصلاة حينما يمر القارئ في صلاته بقراءة آية سجدة. أما سجود الشكر فتبطل به الصلاة.


باب صلاة التطوع
التطوع: تفعل من طاع يطوع إذا انقاد، والتطوع لغة فعل الطاعة.
واصطلاحاً: طاعة غير واجبة من صلاة وصدقة وصوم وحج وجهاد والمراد هنا بصلاة التطوع الصلوات التي ليست واجبة.
قال ابن تيمية: التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة إن لم يكن المصلي أتمها.
وقال الغزالي في الإحياء: أمر الله فرائض ونوافل فالفرائض رأس المال وهو أصل التجارة وبه تحصل النجاة والنوافل هي الربح وبها الفوز في الدرجات.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح" متفق عليه، وفي رواية لهما: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" ولمسلم: "كان إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين".
وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة" رواه البخاري.
وعنها رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر" ولمسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
مفردات الحديث:
تعاهدا: محافظة.
النوافل: جمع نافلة، سميت النوافل في العبادات لأنها زائدة على الفرائض.

عن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة" رواه مسلم، وفي رواية: "تطوعاً"، وللترمذي نحوه وزاد: "أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر" وللخمسة عنها: "من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار".
ما يؤخذ من الأحاديث:
(1)             في مجموع هذه الأحاديث الأربعة حكم السنن المعروفة برواتب الصلوات الخمس.
(2)     إن رواتب المغرب والعشاء والصبح والجمعة الأفضل أن تكون في البيت كما ورد في صحيح مسلم عن عائشة.
(3)             إن ركعتي الفجر خفيفتان حتى إن عائشة تقول أقرأ صلى الله عليه وسلم بأم القرآن أم لا؟
(4)     إن ركعتي الفجر هي أفضل هذه الرواتب، وإنهما خير من الدنيا وما فيها، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يدعهما حضراً ولا سفراً ما عدا الرواتب فكان لا يصليها في السفر.
(5)     قوله: "أربعاً قبل الظهر" هذا لا ينافي حديث ابن عمر من ركعتين قبل الظهر، ووجه الجمع بينهما أنه تارة يصلي ركعتين وتارة أربعاً، فأخبر كل منهما عن أحد الأمرين.
(6)             فضل الأربع قبل الظهر وأربع بعدها فمن حافظ عليها حرمه الله تعالى على النار.
(7)     للرواتب فوائد عظيمة وعوائد جسيمة من زيادة الحسنات وتكفير السيئات ورفعة الدرجات وترقيع خلل الفرائض وجبر نقصها لذا ينبغي العناية بها والمحافظة عليها.


وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه الترمذي والنسائي وحسنه الحاكم وصححه.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     الوتر: اسم للركعة المنفصلة عما قبلها وللثلاث والخمس والسبع والتسع والإحدى عشرة إذا جمعن فإذا انفصلت الثلاث بســلامين أو الخمس أو السبع أو التسع أو الإحدى عشرة كان الوتر اسماً للركعة المفصولة وحدها.
(2)     جواز أن يكون الوتر بخمس أو ثلاث أو واحدة، لحديث "من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" رواه أبو داود.
(3)             من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل. يعني لا يقعد إلا في آخرها.
(4)     ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين منهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى عدم وجوب الوتر لحديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما فرض الله عليه قال: "خمس صلوات في كل يوم وليلة قال هل علي غيرها. قال: لا إلا أن تطوع" متفق عليه.
وذهب إلى وجوبه أبو حنيفة وطائفة من أصحاب الإمام أحمد لحديث: "الوتر حق على كل مسلم" ولما روى أبو داود بإسناده عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يوتر فليس منا".




باب صلاة الجماعة والإمامة
سميت جماعة لاجتماع المصلين في فعلها زماناً ومكاناً فإذا أخلوا بهما أو بإحداهما لم تسم جماعة، ومن هذا يعلم أن الصلاة خلف الإمام بواسطة المذياع أو التلفاز لا تصح؛ لأنها ليست صلاة مع جماعة.
اتفق العلماء على مشروعية صلاة الجماعة واختلفوا في حكمها.
فذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أنها سنة غير واجبة لما في الصحيحين "تفضل صلاة الجماعة صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة" ففيها فضل. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الرجلين اللذين قالا صلينا في رحالنا.
وذهب الإمام أحمد إلى وجوبها للصلوات الخمس على الرجال المكلفين، وقال به طائفة من السلف من الصحابة والتابعين. ودليلهم ما في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب إلى آخر الحديث". وجاء رجل أعمى يستأذنه في الصلاة في بيته لبعد مكانه فقال: "لا أجد لك رخصة" وبأنه أمر بها حال الخوف والقتال مع ما في ذلك من خلل في أركانها وشروطها وواجباتها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائما فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين" رواه أبو داود وهذا لفظه، وأصله في الصحيحين.

مفردات الحديث:
ليؤتم به: فليقتد به في الصلاة ويتابع.
فكبروا: الفاء عاطفة وتفيد الترتيب مع التعقيب فتكون أفعال المأموم عقب أفعال الإمام بلا تراخ.
ربنا لك الحمد: جاء في بعض روايات الحديث بحذف الواو وبعضها بإثباتها (ربنا ولك الحمد).
فصلوا قعوداً: أي قاعدين وهو الحال.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             وجوب متابعة الإمام وأنه القدوة في تنقلات الصلاة وأعمالها وأقوالها فلا يجوز الاختلاف عليه.
(2)             إن التخلف عنه كمسابقته لا تجوز.
(3)     إن المشروع في حق الإمام والمنفرد هو قول (سمع الله لمن حمده) عند الرفع من الركوع، وأنه لا يشرع في حق المأموم إلا قول ربنا لك الحمد.
(4)     إن الإمام الراتب إذا صلى قاعداً لعذر فإن من تمام الاقتداء والمتابعة أن يصلي المأمومون قعوداً ولو من دون عذر.
(5)     اتفق العلماء على تحريم مسابقة المأموم، واختلفوا في بطلان صلاته: فذهب الجمهور إلى أنها لا تبطل، وذهب الإمام أحمد إلى أنه من سبق إمامه بركن كركوع وسجود فعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام فإن لم يفعل عمداً حتى لحقه الإمام فيه بطلت صلاته.
(6)     يقاس ما لم يذكر من أعمال الصلاة على ما ذكر منها هنا فيستحب المتابعة والاقتداء فإن قوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) أداة حصر تشمل جميع أعمال الصلاة.
(7)     أجمع الأئمة على وجوب القيام في صلاة الفرض وأجمعوا على أن إمامة العاجز عن القيام بالقادر عليه لا تصح إذا كان الإمام ليس إماماً راتباً. واختلفوا في صحة إمامة الإمام الراتب المرجو زوال علته إذا صلى قاعداً بالمأمومين القادرين على القيام: فذهب إلى جوازها الإمام أحمد عملاً بهذا الحديث، ولصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه قاعداً حين انفكت قدمه، وصلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته. وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنها لا تصح إمامة العاجز عن القيام بالقادر عليه مطلقاً سواء كان هو الإمام الراتب أو لا وسواء رجى زوال علته أو لا، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم "لا تختلفوا على إمامكم".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، وفي رواية: سناً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" رواه مسلم.
مفردات الحديث:
هجرة: هي الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ولا يزال حكمها باق.
سلماً: أي إسلاماً.
سلطانه: المراد به ولايته سواء كانت ولاية عامة أو ولاية خاصة.
تكرمته: المراد به: الفراش ونحوه مما يبسط ويفرش لصاحب المنزل ويختص به.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             استحباب ولاية الإمامة للأفضل فالأفضل والفضل هو بالعلم الشرعي والعمل به.
(2)     تكون الإمامة لمن هو أكثر حفظا لكتاب الله تعالى لأن كتاب الله تعالى أساس العلوم النافعة فمن كان فيه أعلم كان من غيره أفضل.
(3)     فالمراد بقوله: "أقرؤهم لكتاب الله" هو أكثرهم حفظاً للقرآن والذي يوضحه الحديث الذي قبله "وليؤمكم أكثركم قرآناً" وما رواه النسائي والترمذي وصححه من حديث هشام بن عامر بن أمية الأنصاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "قدموا أكثرهم قرآناً".
(4)     فإن استويا في القراءة فأعلمهم بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فإن السنة المطهرة هي الوحي الثاني وهي المصدر الثاني أيضاً من مصادر التشريع.
(5)     فإن استويا في العلم بالقرآن وحفظه والعلم بالسنة وحفظها فأقدمهم هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فإن لم يكن هجرة فأقدمهما توبة وهجرة عما نهى الله عنه وأقربهم امتثالاً لما أمر الله تعالى به.
(6)     وهذا الترتيب ينبغي ملاحظته عندما يحضر جماعة ليصلوا أو عند إرادة تولية الإمامة لأحد المساجد، أما إذا كان للمسجد إمام راتب فهو المقدم ولو حضر أفضل منه لقوله صلى الله عليه وسلم "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه".
(7)             صاحب البيت أولى بالإمامة من الزائر.
(8)     لا تصح إمامة المرأة للرجل فليست من أهل الإمامة ويكاد ينعقد الإجماع على عدم صحة إمامة المرأة للرجل. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
(9)             كراهة إمامة الفاجر للمؤمن الصالح لنقص دينه وتساهله بما يجب وما يسحب للصلاة من الأحكام.

وعن أنس رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا" متفق عليه واللفظ للبخاري.
مفردات الحديث:
اليتيم: هو من مات أبوه وهو دون بلوغ.
أم سليم: هي الغميصاء بنت ملحان الأنصارية والدة أنس بن مالك.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             فيه صحة مصافة الصبي الذي لم يبلغ الحلم.
(2)             إن الأفضل في موقف المأمومين أن يكونوا خلف الإمام.
(3)             إن موقف المرأة خلف الرجال ولو كانت وحدها فتصح صلاتها خلف الرجال.
(4)             جواز صلاة النافلة جماعة إذا لم يتخذ ذلك شعاراً دائما وعادة مستمرة.
(5)             جواز الصلاة لأجل تعليم الجاهل أو لغير ذلك من المقاصد المفيدة.
(6)             تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وكرم خلقه ولطفه مع الكبير والصغير.
(7)             إن موقف الاثنين فأكثر خلف الإمام.


وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى إلى الصف وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً ولا تعد" رواه البخاري، وزاد أبو داود فيه: فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف.
مفردات الحديث:
حرصاً: معناه الرغبة الشديدة في الخير والمسارعة إليه.
ولا تعد: قيل: (ولا تَعْدُ) من العدو وهو الجري الشديد المخالف للسكينة والوقار، وقيل: (ولا تُعِدْ) أي لا تعد الركعة فقد أدركتها، وقيل: (ولا تَعُد): أي لا تعد إلى مثل هذا الفعل.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)             إن من أدرك الإمام راكعاً فركع دون الصف ثم دخل فيه أو وقف معه آخر فركوعه صحيح وقد أدرك الركعة.
(2)             إن المشي اليسير في الصلاة لمصلحتها لا يضر الصلاة ولا يخل بها.
(3)     إن الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاز له ركعته ولو كانت غير مجزية لأمره بالإعادة كما أمر المسيء في صلاته بالإعادة.
(4)     نهى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة بعدم العدو لأنه مناف للسكينة والوقار ولما في الصحيحين: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
(5)     اشتراط المصافة في الصلاة فإن من صلى خلف الصف بدون عذر فلا تصح صلاته لحديث: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"، وهذا ما علمه أبو بكرة حينما دخل في الصف وهو في الركوع وأقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
(6)             المستحب بالدخول في الصلاة مع الإمام على أي حال وجده عليها.

باب صلاة المسافر
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر" متفق عليه.
وللبخاري: "ثم هاجر ففرضت أربعاً وأقرت صلاة السفر على الأول"، وزاد أحمد: "إلا المغرب فإنها وتر النهار وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
مفردات الحديث:
فرضت: الفرض في اللغة التقدير أي قدر الله الصلاة وأوجبها على المكلفين من عباده.
الصلاة: أي الصلاة الرباعية.
أتمت صلاة الحضر: أي زيد فيها حتى صارت أربعاً فالزيادة في عدد الركعات.
وأقرت صلاة السفر: بإبقائها ركعتين ركعتين.
أقرت: بالبناء للمجهول من الإقرار أي اعتبرت وتركت على حالها بإبقائها ركعتين.
وأتمت: بالبناء للمجهول وفي بعض الروايات وزيد في صلاة الحضر وهو أوضح من أتمت.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين واستمرت مدة بقائه عليه السلام بمكة فلما هاجر زيد في صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين حتى صرن رباعيات، أما المغرب فقد فرضت ثلاثاً وبقيت على ما فرضت عليه لتكون وتر النهار. وأما الفجر فبقيت ركعتين.
(2)     القصر رحمة من الله تعالى بعباده فإن المسافر يلحقه مشقة وتعب ونصب فمن لطف الله تعالى بعبده أن خفف عنه شطر الصلاة واكتفى منه بالشطر الثاني لئلا تفوت عليه مصلحة العبادة فينقطع عن ربه ومناجاته.
(3)     قصر الصلاة المكتوبة الرباعية إلى ركعتين مشروع بالكتاب والسنة وجائز بإجماع أهل العلم منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر. ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الرباعية في السفر ألبتة.
قال ابن قدامة: القصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء.

عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين" رواه مسلم.
مفردات الحديث:
أميال أو فراسخ: شك من الراوي شعبة بن الحجاج وليس بياناً لمختلف الأحوال.
أميال: واحده ميل والميل هو كيل ونصف الكيل.
فراسخ: واحدة فرسخ والفرسخ أربعة أميال والميل والفرسخ فارسي معرب.
صلى ركعتين: يعني قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين وهن صلوات الظهر والعصر والعشاء.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بلد إقامته (المدينة المنورة) مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة الرباعية فصلاها ركعتين.
(2)     اعتبار هذه المسافة تباح فيها رخص السفر من الجمع والقصر وغيرها ولكنه لا يفهم من الحديث أنها أقل مسافة للقصر وإنما يرجع هذا لأدلة أخر.
(3)         قوله إذا خرج يعني إذا قصد بخروجه هذه المسافة لا أنه لا يقصر في سفره حتى يبلغ هذه المسافة.
(4)     إذا فارق عامر قريته قصر، وهو قول جماهير العلماء من الصحابة ومن بعدهم وحكاه ابن المنذر إجماعاً لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض. وقيل المفارقة لا يكون ضارباً فيها ولا مسافراً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل.
(5)     اختلف العلماء في تقدير المسافة التي تقصر فيها الصلاة ويباح فيها الرخص السفرية فذهب أبو حنيفة إلى أن أقل مدة تقصر فيها الصلاة هي ثلاثة أيام وتقدر بثلاث مراحل لسير الإبل المحملة ولا يصح بأقل من هذه المسافة. وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن أقل مسافة للقصر هي مرحلتان لسير الإبل المحملة أيضا.
وتقدر المسافة بأربعة برد، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ أربعة أميال على وجه التقريب حوالي (89) كيلومتر. وتباح رخص السفر ولو قطع هذه المسافة بساعة واحدة كما لو قطعها بسيارة أو طيارة أو غير ذلك.
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يوجد دليل صريح صحيح على تحديد مسافة القصر بل المشرع العظيم أباح رخص السفر ولم يحدده لا بمدة ولا بمسافة فكل ما عد سفراً أبيحت فيه الرخص.

عن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل في سفر قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" متفق عليه. وفي رواية الحاكم في الأربعين بالإسناد الصحيح: "صلى الظهر والعصر ثم ركب"، ولأبي نعيم في مستخرج مسلم: "كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل".
مفردات الحديث:
تزيغ الشمس: أي مالت نحو الغرب بعد أن توسطت السماء.
فزالت الشمس: مالت نحو الغرب بعد أن توسطت كبد السماء.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف والصحيح أنه موقوف، كذا أخرجه ابن خزيمة.
مفردات الحديث:
أربعة برد: جمع بريد، والبريد ستة عشر فرسخا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل كيلو ونصف الكيلو.
عسفان: على وزن عثمان هي قرية عامرة تقع شمال مكة على بعد ثمانين كيلو.
ما يؤخذ من الأحاديث:
(1)          جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت واحد في السفر.
(2)          جواز الجمع بين هاتين الصلاتين جمع تقديم وجمع تأخير فكل من الجمعين جائز.
(3)     الأفضل في حق الجامع المعذور أن يفعل الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير؛ لأن الجمع لم يبح إلا لرفع المشقة فيرى الأرفق به فيفعله.
(4)          يدل على أن سبب الجمع صيرورة وقت إحدى الصلاتين وقتاً للأخرى فليس إحداهما أداء والأخرى قضاء.
(5)          اختلف العلماء في جواز الجمع إلى ثلاثة أقوال:
فذهب الجمهور ومنهم الإمامان الشافعي وأحمد إلى جواز جمع التقديم والتأخير بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، واستدلوا بحديث معاذ.
وذهب مالك في إحدى الروايتين عنه وابن حزم إلى جواز جمع التأخير دون التقديم، واستدلوا برواية مسلم وليس فيها التقديم.
وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى عدم جوازه مطلقا إلا أن يكون جمعاً صوريا بمعنى تؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها وتقدم الثانية في أول وقتها فتصليان جميعاً هذه في آخر الوقت والأخرى في أول الوقت، واستدلوا على قولهم بعدم ورود دليل يثبت ذلك.


عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري.
مفردات الحديث:
بواسير: جمع باسور هو ورم في المقعدة.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     الحديث يدل على صفة صلاة المريض وهو أن يصلي قائماً، فإن عجز أو شق عليه صلى قاعداً، فإن عجز أو شق عليه صلى على جنبه، فإن لم يستطع الصلاة على جنبه أومأ برأسه إيماء ويكون إيماؤه في السجود أخفض من إيمائه في الركوع.
(2)      العجز الذي يبيح القعود في الصلاة المكتوبة هو أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه؛ لأن الخشوع مقصود في الصلاة.
(3)     مذهب جمهور العلماء أن الصلاة لا تسقط ما دام العقل ثابتاً، وأنه إن لم يستطع الإيماء برأسه أومأ بطرفه وإن لم يستطع القراءة بلسانه قرأ بقلبه.
(4)     كراهة سجود العاجز على وسادة ونحوها ترفع له عن الأرض ويكون سجوده على الأرض مباشرة إن قدر وإلا أومأ إيماء.
(5)          سماحة الشريعة وعدم التكلف فيها فالذي لا يستطيع السجود لا يتكلف له ما يسجد عليه وإنما يعبد الله ما استطاع فالتنطع ليس من الدين في شيء.
(6)          يدل على استحباب عيادة المريض وإرشاده إلى ما ينفعه في دينه وفي الأحوال كلها فالدين النصيحة.
(7)     يجوز الجلوس في الصلاة على أي جلسة كانت الجلسات المشروعة، لكن الأفضل أن يكون متربعاً في موضع القيام ومفترشاً في موضوع الجلوس.

باب صلاة الجمعة
الجمعة فيها لغتان التحريك مع الضم، فهي على وزن فعلة كهمزة وضحكة في اسم الفاعل فهي سبب لاجتماع الناس، والثانية: ساكنة الميم فهي اسم مفعول فهي محل لاجتماع الناس. والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون). والسنة في شرعها كثيرة قولاً وفعلاً. قال العراقي: مذهب الأئمة متفقة على أنها فرض عين بل صلاة الجمعة من أوكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين، وصلاة الجمعة أفضل من صلاة الظهر بلا نزاع.

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي لفظ مسلم: "كنا نجمع معه إذا زالت الشمس ثم نرجع، نتتبع الفيء".
مفردات الحديث:
الحيطان: جمع حائط، والحائط الجدار.
نُجَمّع: نصلي الجمعة.
نتتبع: من التتبع أي نطلب.
فيء: هو الظل بعد الزوال.


وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي رواية: "وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
مفردات الحديث:
نقيل: القيلولة أو القائلة استراحة نصف النهار.
نتغدى: بالغين المعجمة والدال المهملة من الغداء وهو الطعام الذي يؤكل أول النهار أو وسطه.
ما يؤخذ من الحديثين السابقين:
(1)     الحديث الأول: صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلاة الجمعة تارة إذا زالت الشمس وتارة ينصرفون من الخطبتين والصلاة وما لها من السنن وليس للحيطان ظل يستظل به.
وهذا التقسيم من الراوي لوقت الجمعة يدل على أنهم تارة يصلونها قبل الزوال وتارة يصلونها بعده.
(2)     الحديث الثاني: صريح في أنهم ما كانوا يقيلون ويتغدون إلا بعد صلاة الجمعة مما يدل على أنهم يصلونها قبل الزوال لأن القيلولة والراحة لا تكون إلا بعد الظهر.
(3)          اتفق العلماء على أن آخر صلاة الجمعة يخرج بانتهاء وقت صلاة الظهر وذلك بدخول وقت صلاة العصر.
واختلفوا في أول وقتها فذهب الأئمة الثلاثة إلى أن وقتها يبتدئ بزوال الشمس كالظهر واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة حين تميل الشمس".
وذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه إلى أن دخول وقتها يبتدي بدخول وقت صلاة العيد واستدل على ذلك بما رواه مسلم عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس".

وعن جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا" رواه مسلم.
مفردات الحديث:
عير: هي الإبل بأجمالها وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها.
فانفتل الناس: أي انصرف الناس عن سماع الخطبة وخرجوا من المسجد إلى لقاء العير.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     وجوب خطبتي الجمعة لقوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) قال أكثر المفسرين أنها الخطبة، وحكى النووي الإجماع على وجوبها.
(2)     استحباب كون الخطيب حال الخطبة قائما قال تعالى: (وتركوك قائما)، وحكى ابن عبدالبر: إجماع علماء المسلمين على أن الخطبة لا تكون إلا قائما ممن أطاقه ولا يجب ذلك لأنه ليس من شروطها.
(3)     انصراف الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب واكتفاؤه منهم باثنى عشر رجلاً دليل على صحة الجمعة بمثل هذا العدد.
(4)     هذا الحديث من أدلة الإمام مالك في أن العدد المعتبر لصحة صلاة الجمعة هو اثنا عشر رجلاً. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن العدد المعتبر هو أربعون، وذهب الحنفية إلى أن العدد المعتبر هو اثنان.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى، وقد تمت صلاته" رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني، واللفظ له، وإسناده صحيح لكن قوى أبو حاتم إرساله.
مفردات الحديث:
فليضف: أضاف الشيء إلى الشيء إضافة ضمه إليه أي فليضف إلى الركعة التي أدرك مع الإمام ركعة أخرى لتتم صلاته واللام لام الأمر.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     يدل الحديث على أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام فليضف إليها ركعة أخرى وقد تمت صلاة جمعته.
(2)     مفهوم الحديث أنه إن لم يدرك مع الإمام ركعة من الجمعة وذلك بأن رفع الإمام من الركعة الثانية قبل أن يركع معه فاتته الجمعة وعليه أن يصليها ظهراً.
(3)     قوله – وغيرها – أي غير الجمعة من الصلوات كالجمعة في أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة، لما روى أبو هريرة مرفوعاً: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت، ليست له جمعة" رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وهو يفسر حديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعاً: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت".
مفردات الحديث:
أسفارا: جمع سِفر والسفر الكتاب الكبير جمعه أسفار، سمي الكتاب الكبير سفراً لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ وإنما شبه القارئ الذي لا يستفيد ولا يعمل بالحمار يحمل أسفاراً؛ لأنه قد فاته الانتفاع من سماع الذكر مع تكلفه مشقة التهيؤ للجمعة والحضور إليها.
أنصت: فعل أمر من أنصت ينصت إنصاتاً، والإنصات هو السكوت للاستماع والإصغاء والمراعاة.
لغوت: اللغو هو الكلام الذي لا يعتد به ولا يحصل منه على فائدة ولا ينفع وهو الساقط من الكلام.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          في الحديث دلالة على تحريم الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة.
(2)     وفيه دلالة على أن النهي عن الكلام مختص بحال الخطبة وهو رد على قول من يقول: إن النهي عن الكلام من خروج الإمام.
(3)          وفيه دليل على إباحة الكلام بين الخطبتين؛ لأن المنع هو حال خطبة الإمام.
(4)     وفيه دلالة على تحريم تسكيت المتكلم أثناء الخطبة وأن من سكت المتكلم فقد لغى حيث أتى بكلام في حال هو مأمور فيها بالإنصات والاستماع.
(5)     واستثنى من هذا من يخاطبه الإمام أو يخاطب الإمام كما جاء في قصة الرجل الذي شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم القحط، والرجل دخل المسجد ولم يصل تحية المسجد فأمره بالقيام والصلاة.
(6)          اتفق الأئمة الأربعة على وجوب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب وانقسموا إلى ثلاثة أقسام:
بعضهم أجاز تشميت العاطس ورد السلام ومنهم الثوري والأوزاعي وأحمد وأتباعه. وبعضهم لم يجز التشميت ورد السلام فهو مقابل للقول  الذي قبله، ويروى عن الشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي. وبعضهم فرق بين من يسمع الخطبة فلا يجوز ومن يسمعها فيجوز وهو رواية عن أحمد، ومروي عن عطاء وجماعة، والجمهور على أن صلاته لا تفسد إذا تكلم.


وعن جابر رضي الله عنه قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "صليت؟" قال: لا. قال: "قم فصل ركعتين" متفق عليه.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          مشروعية خطبة الجمعة وأنها من شعائر الصلاة التي يلزم الإتيان بها.
(2)     استحباب ركعتين تحية المسجد وتأكدها حيث قدمت على سماع الخطبة وأمر بها صلى الله عليه وسلم وهو مشغول بالخطبة.
(3)          إن الجلوس القليل لا يفوت وقت الركعتين فإن الرجل جلس ثم قام فصلى.
(4)          جواز الكلام حال الخطبة من الخطيب ومن يخاطبه؛ لأنه في هذه الحال لا يوجد انشغال عن سماع الخطبة.
(5)          إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر خطأ يراه وإنما ينبه عليه في وقته فهو وقت البيان.
(6)          إنه لا يزيد في تحية المسجد على ركعتين لأنه لابد من الإنصات للخطبة.
(7)     اختلف العلماء فيمن دخل المسجد والخطيب يخطب هل يصلي تحية المسجد أو يجلس وينصت للخطيب، فذهب الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إلى أن المستحب له الصلاة مستدلين بهذا الحديث، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه يجلس ولا يصلي لقوله تعالى: (وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) وحديث "إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت".

باب صلاة الخـوف

صلاة الخوف هي الصلاة التي تؤدى حال الخوف، وقد وردت فيها صفات صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والحكمة فيها أمران:
الأول: التيسير على هذه الأمة.
الثاني: المحافظة على أداء صلاة الجماعة في وقتها.

عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: "إن طائفة من أصحابه صلى الله عليه وسلم صفت معه وطائفة وِجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وِجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، ووقع في المعركة لابن منده عن صالح بن خوات عن أبيه.
مفردات الحديث:
ذات الرقاع: هي غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد إلى غطفان وسميت ذات الرقاع لأنه أصاب الصحابة رضي الله عنهم حفاً من خشونة الأرض فلفوا على أقدامهم رقاعاً.
طائفة: هي الجماعة والفرقة.
وِجاه: بمعنى اتجاه.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          هذه صلاته صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع وهي أحد الأوجه الستة المشهورة.
(2)          مشروعية الصلاة على هذه الكيفية المفصلة في الحديث.
(3)     صلاة الخوف على هذا الوجه إن كانت الفجر أو كان الإمام يقصر الصلاة فإنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة واحدة ويبقى الإمام قائما في الركعة الثانية ويتمون لأنفسهم ويسلمون ثم يذهبون للحراسة وإن كانت المغرب أو رباعية صلى بالأولى ركعتين ثم أتموا لأنفسهم وسلموا وذهبوا للحراسة.
(4)          جواز الانتظار في صلب الصلاة للمصلحة.
(5)          وجوب أخذ الحيطة والحذر من العدو قال تعالى: (وخذوا حذركم).
(6)     مشروعية صلاة الخوف عند سببها حضراً أو سفراً تخفيفاً على الأمة ومعونة لهم على الجهاد وأداء للصلاة في جماعة وفي وقتها المحدد.
(7)          إن الحركة الكثيرة لمصلحة الصلاة أو للغزو لا تبطل الصلاة.
(8)          الحرص الشديد على الإتيان بالصلاة في وقتها مع الجماعة فقد سمح بأدائها على هذه الكيفية محافظة على ذلك.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو، وركع بمن معه ركعه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع بهم ركعة وسجد سجدتين. ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه وسجد سجدتين متفق عليه، واللفظ للبخاري.
مفردات الحديث:
قبل نجد: جهة نجد.
نجد: كا ما ارتفع.
فوازينا العدو: أي قابلنا العدو.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     الصفة الثانية من صلاة الخوف أحد الأوجه الستة المشهورة وحديثها هذا في الصحيحين وراويها أحد الغزاة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
(2)     صفة هذه الصلاة أن يجعل الإمام الناس طائفتين طائفة تحرس تجاه العدو وطائفة تصلي معه فيصلي بالطائفة الأولى ركعة وسجدتين ثم تمضي إلى جهة العدو للحراسة بدون إتمام صلاتهم.
ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين ويتشهد ويسلم وحده لتمام صلاته ثم تعود هذه الطائفة إلى مكان حراستها بدون سلام ثم تأتي الطائفة الأولى إلى مكانها الأول وتصلي في مكانها تقليلاً للمشي فتتم صلاتها وحدها ثم تأتي الطائفة الثانية فتتم صلاتها وحدها لأنهم لم يدخلوا مع الإمام في أول الصلاة.
(3)     صلاة الخوف ليس لها تأثير في إتمام الصلاة أو قصرها فإن كانوا في الحضر أتموا الصلاة وإن كانوا في السفر قصروها وإنما الذي يؤثر فيها شدة الخوف وذلك بترك بعض شروط الصلاة وأركانها وكثرة الحركة بالكر والفر والذهاب والإياب.
(4)     هذه الصفة الثانية التي معنا قد قصرت فيها الصلاة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بكل طائفة إلا ركعة واحدة وكل طائفة صلت لنفسها ركعة واحدة. وصلى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ركعتين.


وعن جابر رضي الله عنه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين: صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود، والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى السجود قام الصف الذي يليه، فذكر الحديث"، وفي رواية: "ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني، وذكر مثله" وفي آخره: "ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً" رواه مسلم ولأبي داود عن أبي عياش الزرقي مثله، وزاد: "أنها كانت بعسفان".
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     صفة هذه الصلاة هي أن يصف الإمام الناس صفين فأكثر ويصلي بهم جميعاً ركعة إلى أن يسجد فإذا سجد الإمام سجد معه الصف الأول الذي يليه وبقي الصف قائما يحرس حتى يقوم الإمام إلى الركعة الثانية فإذا قام سجد الصف المتخلف ثم لحقوه وهو قائم هو والصف الذي يليه.
وفي الركعة الثانية سجد معه الصف الذي حرس في الركعة الأولى وبقي الصف الأخير قائما يحرس. فإذا جلس الإمام للتشهد سجد الذين حرسوا وتشهد بالطائفتين عليه السلام ثم سلم بهم جميعا.
(2)          هذه صلاة مقصورة لأنها وقعت في السفر فلم يصلوا الرباعية إلا ركعتين.

باب صلاة العيدين

صلاة العيد هي الصلاة التي تؤدى يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى في وقتها المشروع، وسمي عيداً لأنه يعود ويتكرر بما أنعم الله به على عباده من العبادات والشعائر وبما تفضل به عليهم من المباحات والطيبات.

عن أم عطيه رضي الله عنها قالت: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى" متفق عليه.
مفردات الحديث:
أمرنا: بالبناء للمجهول وهذه الصيغة تعد من المرفوع.
العواتق: جمع عاتق وهن البنات الأبكار البالغات والمراهقات.
الحُيّض: جمع حائض.
يعتزل الحيض المصلى: يعني أن الحيض يجتنبن مصلى العيد إذا خرجن لسماع الموعظة.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          قولها – أمرنا – الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا حديث مرفوع.
(2)     فيه التأكيد الشديد إلى الخروج لصلاة العيدين وعدم التخلف عنها حتى أمر بالخروج من كان الأفضل لهن الصلاة في بيوتهن وهن الشابات من النساء وأمر بالخروج من لا تصح منهن الصلاة وهن الحيض.
كل ذلك لسماع الخطبة والموعظة في هذين اليومين الفاضلين وحضور دعوة المسلمين ربهم.
(3)          إن مصلى العيد كمصلى الصلوات الأخر من حيث الأحكام فلهذا أمر الحيض أن يعتزلن المصلى.
(4)          وجوب اجتناب الحائض المسجد.
(5)          إن الحائض غير ممنوعة من الدعاء ومن ذكر الله تعالى.
(6)     اتفق العلماء على مشروعية صلاة العيدين، واختلفوا هل هي سنة أو فرض كفاية؟ أو فرض عين؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي السائل عما يجب عليه من الصلاة (خمس صلوات كتبهن الله على عباده قال: هل علي غيرها؟ قال: لا). وكونها سنة مؤكدة لمواظبته عليها.
القول الثاني: ذهب الحنابلة إلى أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين فدليل وجوبها قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) ومواظبته عليه الصلاة والسلام عليها ولأنها من أعلام الدين الظاهرة، أما أنها لا تجب على الأعيان فلحديث الأعرابي المقتضي نفي وجوب صلاة غير الصلوات الخمس.
القول الثالث: ذهب الحنفية إلى أنها واجبة تجب على من تجب عليهم الجمعة سوى الخطبتين فهما سنة عندهم.


وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة". متفق عليه.
مفردات الحديث:
كان: مثل هذا التركيب يفيد الاستمرار.
العيدين: تثنية عيد وهما عيد الفطر وعيد الأضحى وأصل العيد العود لأنه مشتق من عاد يعود عوداً.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     المشروع أن تصلى صلاة العيدين قبل الخطبة وعلى هذا عامة أهل العلم. قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. أن صلاة العيدين قبل الخطبة. قال الحافظ: وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وعده بعضهم إجماعاً.
(2)          لو قدم الخطبة على الصلاة لم يعتد بخطبته وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي. قال المجد: هو قول أكثر العلماء.
وحكمة التأخير هنا – والله أعلم – أن خطبة الجمعة شرط للصلاة والشرط مقدم على المشروط بخلاف خطبة العيد فليست بشرط وإنما هي سنة.




وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم" متفق عليه..
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     قوله: "يخرج إلى المصلى" فيه مشروعية صلاة العيدين في الصحراء خارج العمران ولو كان في المدينة المنورة.
(2)          أنها لا تصلى في المسجد إلا لحاجة كمطر ونحوه.
(3)          البداءة بالصلاة قبل الخطبة فإن قدم الخطبة على الصلاة فلا يعتد بها.
(4)          كراهة الصلاة في مصلى العيد قبلها فإن أول شيء بدأ به الصلاة.
(5)          إن الإمام بعد الصلاة ينصرف عن القبلة ويستقبل الناس فيعظهم ويرشدهم في كل وقت بما يناسبه.
(6)     استحباب بقاء الناس على صفوفهم لاستماع الخطبتين وكثير من الناس ينفرون بعد الصلاة ولا يسمعون الموعظة ولا شك أن هذا عدم اهتمام بالخير وحرمان من فضل الله في هذا المشهد العظيم.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخرى والقراءة بعدهما كلتيهما" أخرجه أبو داود، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه..
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          استحباب التكبير في صلاتي العيدين بقول: "الله أكبر" امتثالا لقوله تعالى: "ولتكبروا الله على ما هداكم".
(2)     قدره سبع تكبيرات في الركعة الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمساً في الركعة الثانية غير تكبيرة الانتقال من السجود إلى القيام قال البخاري ليس في الباب أصح من هذا.
(3)     ومحل الزوائد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة الانتقال من السجود إلى القيام.
(4)          يكون بعد التكبيرة السابعة التعوذ ثم قراءة الفاتحة ثم السورة.
(5)     يرفع يديه مع كل تكبيرة لقول وائل بن حجر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة. وهو مذهب جمهور العلماء.
(6)          التكبيرات الزوائد مستحبة إجماعاً لأنها ذكر مشروع بين تكبيرة الإحرام والقراءة أشبه بدعاء الاستفتاح.


باب صلاة الكسـوف

الكسوف هو الخسوف: المشهور أن يقال كسفت الشمس، وخسف القمر.
الكسوف: هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار.
والخسوف: هو ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً.
سبب الكسوف: هو حيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض.
وسبب الخسوف: هو حيلولة الأرض بين الشمس وبين القمر.
وأجرى الله تعالى العادة أنه لا يحصل الكسوف إلا في الأسرار آخر الشهر إذا اقترن النيران.
ولا يحصل الخسوف إلا في الإبدار إذا تقابل النيران.
وصلاة الكسوف استنبطها بعض العلماء من قوله تعالى: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون)، وأما السنة فقد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى الإجماع على مشروعيتها جمع من العلماء.
ويستحب عندها الدعاء والاستغفار والالتجاء إلى الله تعالى والصدقة وغير ذلك من الأعمال الصالحة حتى يكشف الله ما بالناس.

عن  المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف" متفق عليه، وفي رواية للبخاري "حتى تنجلي". وللبخاري من حديث أبي بكرة "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم".
مفردات الحديث:
انكسفت الشمس: يقال كسفت الشمس وانكسفت بمعنى واحد أي اسودت وذهب ضوؤها.
إبراهيم: ابن النبي صلى الله عليه وسلم من جاريته مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب الاسكندرية.
آيتان: تثنية آية وجمعها آيات، ومعنى الآية العلامة فهما علامتان من علامات الله تعالى التي يخوف الله بها عباده.
رأيتموهما: في رواية "فإذا رأيتموه" بتوحيد الضمير الذي يرجع إلى الآية والمعنى إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلك فيهما معاً في حالة واحدة عادة.
ينكشف: حتى يرتفع ما حل بكم من الخسوف.
تتجلى: روي تتجلى بالتذكير والتأنيث ووجههما ظاهر والمراد صلوا وادعوا حتى يذهب ظلاهما ويصحوان.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     مشروعية الصلاة والدعاء والتضرع والاستغفار حين حصول الكسوف والخسوف لما يحصل عند ذلك في الخشوع والمراقبة في تلك الحال.
(2)     إبطال النبي صلى الله عليه وسلم هذا التقليد الجاهلي بأن الخسوف يكون لموت عظيم، وبيان أن الشمس والقمر آيتان وعلامتان من آيات الله الكونية يغير الله سيرهما ومجراهما ويمحو ضوءهما ليخوف بذلك عباده لئلا يعصوه بترك الواجبات وانتهاك الحرمات.
(3)     ويسن أن ينادى لها – الصلاة جامعة – لما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي – الصلاة جامعة – وأجمع المسلمون على أنه لا يشرع في حقها أذان.
(4)          وقت الصلاة يبتدئ من حين يبدأ كسوف الشمس أو خسوف القمر ويستمر حتى ينجلي ذلك.
(5)     نصح النبي صلى الله عليه وسلم أمته فإنه حتى في حال تعظيم الناس أمر وفاة ابنه ما أقر بقاء هذه الأسطورة الجاهلية بل أخبر المسلمين أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته.
(6)     إن النبي صلى الله عليه وسلم تأتيه المصائب من الأمراض وفقد الأحبة والهزائم في الحروب وأذية الخلق فالله تعالى يجري عليه من الأحوال البشرية ما يجري على غيره من البشر وكل هذا من ثبات إيمانه وزيادة حسناته وتأكيد بشريته.
(7)     قوله: "فإذا رأيتموهما" دليل على أن المعول عليه في الصلاة للكسوف أو الخسوف هو رؤية ذلك وليسا لعلم الحساب.
(8)     اختلف العلماء هل يشرع لصلاة الكسوف خطبة أم لا؟ فذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه ليس لها خطبة. وذهب الشافعي وإسحاق وكثير من أهل الحديث إلى استحبابها لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ووعظ الناس وأزال عنهم شبهة سبب انكساف الشمس والقمر لموت أحد وحياته.

وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وفي رواية له: "فبعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة".
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          مشروعية صلاة الكسوف وأنها سنة مؤكدة.
(2)          إن صلاتها جهرية ولو كانت نهارية، لاجتماع الناس فيها.
(3)          يصح أن تصلى جماعة وأفراداً إجماعاً، ولكن الجماعة فيها أفضل إجماعاً.
(4)          إنها تصلى ركعتان في كل ركعة ركوعان، وأربع سجدات بسلام واحد.
(5)     إنه ليس لها أذان ولا إقامة وإنما تصلى كصلاة العيد وينادى لها بلفظ "الصلاة جامعة" ولم يذكر تكريره، والظاهر أنه يقال بقدر الحاجة إلى إسماع الناس لأنه المقصود.
(6)     قولها (جهر في صلاة الكسوف) وقولها: (وبعث منادياً ينادي الصلاة جامعة) دليل على أن المشروع في صلاة الكسوف هو الاجتماع العام لها وأن تصلى كما تصلى الأعياد والاستسقاء من حيث الاجتماع.
(7)     جاء في رواية: أنه أطال صلى الله عليه وسلم القيام في الركعة الأولى ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى ثم انصرف فخطب الناس.
(8)          ابتداء وقت الصلاة من حصول الكسوف وانتهائه بالتجلي.
(9)          استحباب الخطبة إذا دعت إليها الحاجة.

باب صلاة الاستسقاء

الاستسقاء طلب السقي من الله تعالى عند حدوث القحط والجدب والتضرر من ذلك. ويكون الاستسقاء بالدعاء المجرد ويكون بالدعاء بعد الصلاة.
وأفضله أن يكون بصلاة ركعتين تصلى كصلاة عيد في زمانها ومكانها وتكبيرها وقراءتها ثم يخطب بعدها خطبة واحدة كخطبة صلاة العيد بالافتتاح بالتكبير والإكثار من الاستغفار والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بالدعاء المأثور فيها.
وصلاة الاستسقاء عند وجود سببها سنة مؤكدة بإجماع العلماء للأحاديث الصحيحة المستفيضة التي منها ما في الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة. وخالف أبو حنيفة فلم يرها صلاة مسنونة وقوله مردود بالسنة الثابتة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً، متبذلا متخشعاً، مترسلاً، متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه" رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وأبو عوانة وابن حبان.
مفردات الحديث:
متواضعاً: في ظاهره بالذل والانكسار بين يدي الله تعالى، فالتواضع ضد التكبر.
متبذلاً: التبذل ترك الزينة على جهة التواضع.
متخشعاً: مظهراً للخشوع في باطنه وظاهره بخفض الصوت وغض البصر والخضوع في القلب والبدن.
مترسلاً: من الترسل في المشي أي متأنيا في مشيته عليه سيما السكينة والوقار.
متضرعاً: التضرع والتذلل هو المبالغة في السؤال والرغبة وإظهار الضراعة فيلحق بأنواع الذكر والدعاء.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)     الاستسقاء يقصد به الدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى والانكسار والضعف وإظهار الفاقة والحاجة إليه تبارك وتعالى. ولذا فإنه يخرج إليها بحالة من التواضع في البدن والتخشع في القلب والتضرع باللسان. والتذلل في الثياب والهيئة. فهذه الحال أقرب إلى إجابة الدعاء وقبول النداء. وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يخرج إليها ليكون أسوة لأمته.
(2)     دلت الأحاديث الصحيحة على مشروعية صلاة الاستسقاء وهو قول جمهور السلف والخلف عدا أبي حنيفة ولا عبرة بخلافه فإنه مخالف للأحاديث الصحيحة المستفيضة.
(3)     تصلى ركعتين كصلاة العيد من حيث وقتها في الضحى ومكانها في الصحراء والتكبير في صلاتها وخطبتها ولكنها خطبة واحدة يكثر فيها الدعاء والاستغفار.
(4)     قوله: "لم يخطب خطبتكم هذه" يفهم منه أنه يخطب ولكنها خطبة مغايرة للخطبة التي يشير إليها الراوي من حيث الموضوع. فالأفضل هو التقيد بموضوع الخطبة التي كان يخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أنسب للمقام.
(5)     اختلف العلماء في الخطبة، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن صلاة الاستسقاء لها خطبة لما روى أبو داود وغيره عن ابن عباس قال يصف خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يخطب خطبته هذه".
وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى أن المشروع خطبتان وهو رواية عن الإمام أحمد.

وعن  عائشة رضي الله عنها قالت: "شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه، فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت" رواه أبو داود وقال: غريب وإسناده جيد. وقصة التحويل في الصحيح من حديث عبدالله بن زيد، وفيه: "فتوجه إلى القبلة يدعو، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" وللدارقطني من مرسل أبي جعفر الباقر"وحول رداءه ليتحول القحط".
مفردات الحديث:
القحط: هو إمساك المطر وحبسه.
حاجب الشمس: قرنها الأعلى.
جدب دياركم: هو انقطاع المطر ويبس الأرض.
بلاغاً إلى حين: أي زاداً يبلغنا إلى زمن طويل، فالبلاغ ما يبتلغ به إلى المطلوب.
الغيث: هو المطر الذي ينقذ الله به البلاد من الجدب ويحيي الله به البلاد الميتة.
قلب رداءه: هو أن يحول رداءه بأن يجعل ما يلي بدنه هو الأعلى ويتوخى أن يجعل ما على شقه الأيمن على الشمال. ويجعل الشمال على اليمين.
رعدت: من البروق وهو لمعان في السماء على أثر انفجار كهربائي في السحاب.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)          إن سبب صلاة الاستسقاء هو وجود القحط والتضرر من انقطاع الغيث ومثله جفاف الأنهار وغور الآبار.
(2)          إن لصلاة الاستسقاء خطبة تكون على مكان عال كالجمعة والعيد ليكون أسمع للخطيب وأبلغ في الإفهام.
(3)          يستحب للإمام أن يعد الناس وعداً عاماً يخرجون فيه لمصلى العيد.
(4)          يستحب أن تصلى في الصحراء كما تصلى العيد.
(5)     أن وقت صلاة الاستسقاء كوقت صلاة العيد حينما ترتفع الشمس قيد رمح، هذا الوقت الأفضل في صلاتها، وإلا فإنه يجوز فعلها كل وقت غير وقت النهي بلا خلاف بين العلماء.
(6)          يستحب للخطيب أن ينبه الحاضرين إلى الحاجة التي خرجوا إليها ليجتهدوا في تحريها وتحقيقها.
(7)     أن يأمر الناس بالدعاء هنا وفي غيره؛ لأن الدعاء من أقوى الأسباب لحصول المطلوب فمتى ألهم العبد الدعاء حصلت الإجابة بإذن الله تعالى.
(8)          يستحب أن يطمعهم بربهم ويقوي رجاءهم باستجابة دعائهم إياه حتى ينشطوا ويجتهدوا فيه.
(9)     أول ما يبدأ به الخطيب الصعود على المنبر واستقباله الناس ثم يخطب خطبة مناسبة للمقام من تكبير الله وحمده والثناء عليه واستغفاره وإظهار العجز والمسكنة والاطراح بين يديه بإظهار الفاقة والحاجة إلى فضله.
(10)   ثم بعد حمد الله والثناء عليه ووصفه بالرحمة العامة لخلقه والخاصة بأوليائه ووصفه بالجود والغنى والعطاء. وبعد وصف العبد نفسه وعموم الخلق بالفقر والضعف والحاجة إلى فضل ربهم وإحسانه إليهم ورحمته بهم، ويعد هذه الابتهالات والتوسلات: يرفع الخطيب يديه ويستقبل القبلة ويدعو الله تعالى بأن ينزل عليهم الغيث وأن يجعل ما أنزله قوة وبلاغاً في هذه الحياة.
(11)   وفي هذا الأثناء يحول الخطيب والحاضرون أرديتهم أو ما يقوم مقامها من الملابس الظاهرة فيقلبوها تفاؤلاً بأن الله تعالى حول شدتهم رخاء وبؤسهم غنى.
(12)   الحديث الذي معنا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم قدم الخطبة على الصلاة وبه قال جماعة من العلماء. والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين هو البداءة بالصلاة قبل الخطبة وهو مذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد قال النووي: وبه قال جماهير العلماء وليس بإجماع.










Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire